الهدوء الذي يسبق العاصفة


 

بحث رائع نشرته مجلة فورين أفيرز ، أعده اثنان من الباحثين المتخصصين في رصد وقياس المخاطر السياسية والاجتماعية في عالم اليوم ويخلص إلى أن فترة طويلة من الاستقرار (الركود) تنذر بخطر عدم الصمود للهزات المحتملة. وعلى العكس من ذلك فإن تاريخاً طويلاً من التغلب على الأحداث والفوضى ، يحصن البلد ضد الهزات ويجعله أكثر قدرة على الصمود في وجه المفاجآت والظروف الاستثنائية.
يقارن البحث بين لبنان الذي شهد حرباً أهلية وصراعات مسلحة ، وانقسامات دينية وطائفية ولكنه أثبت قدرة على الاستقرار والصمود أكثر من سوريا التي شهدت استقراراً ظاهرياً لمدة أربعين عاماً.
يقول الباحثان أن هناك خمسة عوامل ترشح البلدان للفوضى والانهيار وعدم الصمود أمام الهزات أولها: سلطة مركزة ونظام حكم فردي أو حزبي صارم ، وثانيها اقتصاد غير متنوع يعتمد على مصدر دخل واحد رئيسي ، وثالثها مديونية ثقيلة والتورط بمشاريع كبرى ممولة بالديون ، ورابعها الافتقار إلى التعددية السياسية والاجتماعية ، وآخرها تاريخ طويل من الاستقرار والهدوء وعدم التعرض للهزات والتغلب عليها.
البلد الذي تتوفر فيه كل هذه الشروط أو بعضها لا يتمتع بالمناعة ضد الهزات بل يهتز من أية عقبة تصادفه.
التغلب على المشاكل والصعوبات والتحديات التي تواجه البلد تعتبر بمثابة التطعيم الذي يوفر المناعة ضد الهزات المحتملة.
هذه ليست دعوة للبحث عن عوامل عدم الاستقرار بل دعوة لتوفير مقدرة على امتصاص الهزات وتحمل العثرات واعتبارها دروساً وليست نكسات ، نواصل بعدها مسيرتنا حتى لو كانت الطريق مليئة بالأشواك دون أن يعني هذا أن نبحث عن الأشواك ونختار الطرق الشائكة فهناك أشواك كافية في جميع الطرق.
الاستقرار هدف مطلوب وشرط للنمو والتقدم ولكن يجب التفريق بين الاستقرار القائم على أسس قوية والاستقرار الوهمي المصطنع والمعرض للانهيار.
الدول المعرضة للانهيار هي تلك التي تعاني من استقرار وكبت مطلق كالاتحاد السوفييتي ، أو من فوضى عارمة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن.
ليس من الحكمة أن نتباهى بسجلنا من الهدوء والاستقرار بل بخبرتنا الطويلة في تجاوز الأزمات والعقبات.
الهدوء في سوريا سبق العواصف ولكن العواصف سبقت الهدوء في لبنان.