إضاءة على المجموعة الشعرية " لحن بأصابع مبتورة " للشاعرة سميرة عبيد
إضاءة على المجموعة الشعرية " لحن بأصابع مبتورة " للشاعرة سميرة عبيد
بقلم : صابرين فرعون
بدأت الشاعرة سميرة عبيد مجموعتها الشعرية ببورتريه " فكرة فوتوغرافية " مدخلاً لحديقة حرفها الغنية بالصور والمشاهد الحية المستمدة من الطبيعة , فكانت ألفاظها مترابطة والمعنى والعبارة الشعرية , واعتماد الاستشهاد بجمل أدبية لأدباء معروفين " النقل الأدبي " ومزجها مع الميثولوجيا " طائر الفينيق , إيروس " يدل على ثقافتها العالية وموازنتها للغة , لتضع بين يديّ القارئ مفاتيح لغوية عن فكرتها ..
أسلوبها بسيط وشيق واختيارها للعناوين البسيطة المفردة والقريبة للقلب تزيد من عنصر التشويق في تذوق قصائد المجموعة كلاً على حدةٍ ..
تخاطب الفكر كما تخاطب الروح وتعتمد أسلوب الاستفهام في نصوصها متأملة وباحثة عن إجابات كما تحثنا أن نفعل ..
في قصائد " نوتة " , " جنون " و " غياب " طغى : لون البحر والدم واللون الأخضر, ورائحة العطر والموج وعبق الصباح ودخان , وصوت التنهد والسؤال وأجراس الكون والريح, وحركة الموج والعزف والخشخشة , والتميز في تآلف الألفاظ والتراكيب اللغوية وجمع النقيضين كما في " سرطان اللغة ,أجنحة الغياب , صحراء البحر, عصير الوهن " و عاطفة الحزن والشجن القوية على المشهد الشعري , مما يجعل القصيدة الواحدة نسج كامل منفرد يتم مناقشته أدبياً في إطار الوحدة الموضوعية للمجموعة الشعرية كاملة .
في قصيدة " صورة " اعتمدت أسلوبيّ الخيال الأدبي والتشخيص كركن أساسي للتصوير الإبداعي , تراكمات نفسية مؤثرة تُترجم بشاعريتها وكل ما تحمل من أحاسيس لعوالم أدبية يتجول فيه القارئ سائحاً في بلاد اللغة منذهلاً من قوة التصوير .
" يد رجلٍ ينام في قلب الصورة " ذات ألفاظ جزلة , سرد رومانسي لحكاية الحب كيف تبدأ وكيف تنتهي أو كيف تستمر مع تمثال الصورة , مع الغائب الحاضر معنوياً في حبر الوهج الذي ينطفئ وتتلاشى ذاكرة تفاصيله عندما ينتهي بتراجيديا كينونته الغير فعلية وإنما " المقوّلة " , حكاية آدم وحواء في زمن ومكان آخر وهو موضوع اللوحة الفنية , منظور الشاعرة لحكاية الحب خارج النهاية التقليدية من مصير الأحباب , فالحبيبة " المرأة الشجاعة " تقتل الحبيب كي لا يستنزف ما تبقى لها من نبضٍ لم ينزف .
في قصيدة " قناع " الحيز الزمانيّ يأخذ مكانه لتوضيح ذاتية التجربة الأدبية في الفوضى الحسية والشعورية لحظة تأمل وتلاحم الشعور العام " الوطن " وبالخاص " التجربة الفردية للألم " وتمازج عوالم الوعي واللاوعي .. هناك إشارة لتأثر الكاتبة وقراءتها ل " فوضى الحواس " , " ذاكرة الجسد " للروائية الجزائرية أحلام موستغانمي , و "أحلام منسية " للأديب المصري عمار علي حسن .
نص " إبرة " وظفت الشاعرة التوصيف الغير مباشر لوصف حالة الضياع والغربة والتمرد على لحن الموت والوحدة .
قصيدة " قطر التاريخ " تتغنى الشاعرة بأمجاد وطنها وأهلها , ويُذكر أن هذه القصيدة فازت بالمرتبة الأولى في المسابقة الشعرية التي طرحتها صحيفة الوطن القطرية عام 2013م .
قصيدة " جميرا " وهو حي من أحياء دبي القديمة , تصف الشاعرة لحظات الانتظار المرتقب لساعة الغروب دلالة على هدوء النفس والتفكر بحثاً عن النسيان وتقطيب جراح الذاكرة .
قصيدة " بنفسجة بغداد " وظفت الشاعرة الرياح كناية عن أمنيات الخير والمشاعر الجياشة اتجاه بغداد التي صورتها بالمرأة العربية الشامخة .. أصابع البوح حملت نظرة تفاؤل بأن الغد أجمل وسينجلي كل وجع الأرض .
في قصيدة " هواء النيل " إشارة لمعالم سياحية ودينية وتاريخية كالنيل وجامع الأزهر والسيدة زينب .. طغت مشاعر الشوق والحنين والتغني بجماليات المكان على النص , تختتم القصيدة بنهاية موجعة موظفة الريح كناية على ما لحق بمصر من نكبات سياسية في الآونة الأخيرة .
في نص " زهرة " مشهد كامل للحياة النورانية والتأمل .. ميتافزيقيا مراحل التأمل والبحث في كينونة الروح والتحرر من قيد الحزن , لوحة سوريالية في ثناياها "الوصف الجمالي" يلون اللغة .
في قصيدة " وجدان " دعوة للسمو والعلو من خلال إنسانية الإحساس والإدراك والتجربة والعلم .
في قصيدة " خرس" تنطق المفردات قوة العاطفة التي احتلت النص المشهدي وهو الصراخ في وجه الألم .
في قصيدة " أمي " راوحت بين ضمير المخاطب "الأم" وضمير المتكلم " الذات " واستخدمت السين مع الفعل المضارع للدلالة على زمن الفعل "المستقبل" , مودعة الأم في رعاية الله – عز وجل .
في قصيدة " عازفة " تستهل القصيدة برموز , ألفاظ مفتاحية للغتها المتأملة في كرم الكون ,
وتنفي ظلمة الحزن خارج قصائدها بمعزوفة الحلم , تستذكر خطوات الدرب , تودع كل خريف بشجاعة وقوة , تطوي الماضي غير مبالية بكل الألم , بل إن كل نوافذها مشرعة للفرح وتفرغ كل سوداوية الماضي بعزف ألحان الحرف على صفحات بيضاء .
في قصيدة " الموريكسي " تتغنى بأمجاد العروبة و الأجداد في قرطبة .
في قصيدة " تناهيد سوريا " تختم الشاعرة رحلتها التي تمسد على أوجاع عروبتنا بتنهيدات ألم : متى ينقشع ظلام اليد التي تفرق أعرابنا ؟!
المجموعة الشعرية " لحن بأصابع مبتورة " والتي كان للمرأة العربية والإنسانيات والقصائد الوطنية الحظ الأوفر منها هي المجموعة الشعرية الثانية للشاعر الإماراتية سميرة عبيد , وهي صادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .