كل ثلجة وأنتم بدفء


 

لا حديث سوى حديث الثلج. زائر خفيف الزيارات ثقيل الظل أحياناً. ونحن ايضاً لا يعجبنا العجب. نحبه ولا نحب برده. نتمتع بندفه كنسمة وحين يتقدم اكثر نقول له كفى. نستقبله بفرح وما نلبث ان نود لو أنه لم يأتِ. نتمنى له طول الإقامة وندعو له بالرحيل.
الثلج موسم نضوج الماء، ملح الارض، دفء البرد، لمّة فروع العائلة في بيت واحد. وقت طبخات الجدات على صوبة الكاز، أولاً وعاشراً العدس، وبينهما الخبيزة والهندباء والرشوف والسبانخ. اللحوم لا داعي لها، فلم تكن في الزمن الماضي ضرورة ليس بسبب برد الثلج بل بسبب برد الجيب. ولموسم الثلج ايضاً حلواه. الأم الشاطرة تصنع العوامة، من طحينها الى قَطرِها، في البيت. تعد السحلب بوجهه المغطى بالقرفة والجوز، وان كانت من أمهات الزمن الجديد تعد البيتزا ايضاً.
الجدات كانت لهن بيتزاهن الخاصة. فمما يزيد من فتات الخبز اليابس يطبخنه مع البصل والبندورة والبهارات. ومن الامهات من طورت بيتزا الجدة. بدل ان تقدمه في صحون تصبه في صينية وتضعه في الفرن حتى يحمر وجهه ثم يقطعنه قطعا ولا بأس ان تضيف اليه الفطر والزيتون الاسود.
بإمكاننا ان نعد في البيت ما لذّ وطاب. ولم يكن ثمة داع ليحصل ما حصل قبل الثلجة بأيام وربما اسبوع بالنسبة لمن خافوا ان يموتوا من الجوع لا من البرد. طوابير على الخبز وهجوم على المولات والسوبر ماركتات وحتى على دكاكين الحارة. لكأن الثلج موسم الاكل واننا الجياع لسنة قادمة.
كل الأجهزة استفادت من أخطاء الثلجة الماضية، الامن العام، الدرك، الدفاع المدني، الكهرباء، المياه. وطبعا القوات المسلحة التي كما العام الماضي قامت بدور مشرف في اقامة السدود وانقذت عائلات جرفت بيوتها المياه وأوصلت الغذاء الى مناطق نائية. وقد ثبت بالفعل المرئي و الملموس ان الجيش العربي الاردني هو، بعد الله، الحامي للبلد والساهر على أمنه ليس على الحدود فقط بل في مواجهة أية أزمات أو ظروف غير عادية.
مقابل بعض التصرفات السلبية لمواطنين كالخروج غير المبرر الى الشوارع وممارسة رذيلة التشحيط بالسيارات فان مجتمعنا بخير ومواطننا ما يزال لديه رصيد كبير من العطاء. الطيبة والشهامة صفتان متجذرتان في شعبنا تمثلتا في اعلان شباب عن استعدادهم لمساعدة اي محتاج في مناطقهم. وبالرغم من بعض السلبيات والتهويل من المخاطر فقد قام الاعلام بدور مهني وطني يسجل له وبخاصة اولئك الشبان المراسلين لبعض المحطات التلفزيونية ومندوبي ومراسلي الصحف. 
بعد تجاوزنا للثلجة الحالية يفترض ايضاً ان نستفيد من اخطائنا، فالكمال لله، وأول هذه الاخطاء ان نعرف كيف نفرح بالمطر والثلج. وأن لا نستقبلهما كما لو انهما غزاة وأعداء. أن نلتمَّ حول صوبة غاز او كاز نشوي عليهما الكستناء وإن لم تتوفر فحبات بطاطا صغيرة تفي بالغرض. أن نتدفأ بالحب وندفىء الجفاء بالتواصل والحنين باللقاء حول كومة دفء.