شَارْلِي إيبْدُو.. حكاية جريدة اختارت التهكّم على المعتقدات
لأكثر من تسع سنوات واسم جريدة "شارلي إيبدو" يحتل، بين
الفينة والأخرى، عناوين وسائل الإعلام الدولية بعدما تحوّل الإصدار الأسبوعي نفسه
إلى خبر ساخن تلوكه الألسنة عوض أن تكون فضاء للنشر، خاصة عندما اقترن اسمها
بالسخرية من الأديان والمعتقدات، ومن ذلك دأبها على استفزاز المسلمين برسم رموزهم
المقدسة والتهكم عليها.
غير أن مسار "شارلي إيبدو" يعود إلى ما قبل هذه الفترة
بكثير.. فمنذ تأسيسها سنة 1970 وهي ترفع شعار حرية التعبير التي لا تعترف بخطوط
حمراء، خاصة ما يتعلق بالدين والسياسة والحياة نفسها، ولا غرو في ذلك، فقد أتت على
أنقاض خطى جريدة أخرى اشتهرت بفرنسا قبل السبعينيات وهي "هارا-كيري"،
"الجريدة الغبية والمشاكسة" حسب شعارها.
"هارا-كيري"
تأسست سنة 1960 من طرف رساميّن للكاريكاتير، لتكون أصل "شارلي إيبدو"،
فمنها خرجت جريدة شهرية سنة 1969 اسمها "شارلي"، وكانت عبارة عن سلسلات
من الرسوم المصوّرة على الطريقة الأمريكية.. غير أن "هارا كيري" تحوّلت
إلى جريدة أسبوعية، وبعد منع تكرّر أكثر من مرة، لطبيعتها التهكمية، توقفت بشكل
نهائي عام 1970 بأمر من وزير الداخلية الفرنسي جراء سخريتها من مقتل 146 فرنسي في
حريق مهول، ولم تحترم مشاعر الفرنسيين في ذلك اليوم الدامي حسب السلطات.
تحوّلت "هارا-كيري" إلى "شارلي إيبدو" منذ ذلك
المنع، ثم توقفت عن الصدور لمدة من الزمن لأسباب مادية صرفة، قبل أن تولد من جديد
سنة 1992 بتعاون جمع عددا من رسامي الكاريكاتير، اثنان منهم قُتلوا في العملية
الإرهابية ليوم الأربعاء 7 يناير الجاري.. وقد حققت منذ التسعينيات مبيعات متقطعة
من بينها تجاوز لحاجز مئتي ألف نسخة، وفي أحايين بالكاد تصل إلى بيع 55 ألفا.
ورغم مثولها أكثر من مرة أمام القضاء في دعاوى مرفوعة عليها من شخصيات
وتنظيمات متعددة، إلا أن ذلك لم يجعل "شارلي إيبدو" تتوقف عن نهجها
الساخر حتى من معتقدات الآخرين. بل إن المظاهرات التي نادت بإغلاقها، ومحاولة قتل
رساميها، وإلقاء زجاجات حارقة داخل مقرّها، كل هذه التداعيات لم تجعل هذه الجريدة
تتوقف عن "استفزاز الآخرين" برسوماتها وحتى مقالاتها، .
في أول احتكاك حسّاس بينها وبين المسلمين، أعادت الجريدة بداية عام
2006 نشر اثنين من رسوم مسيئة لرسول الإسلام صدرت في جريدة دانماركية هي
"يولاندس بوستن"، ممّا أدى إلى احتجاج كبير من الجالية المسلمة بفرنسا،
وإلى مقاضاتها من طرف جمعيات إسلامية بدعوى نشر الكراهية دون أن تسفر المقاضاة عن
متابعاتها..
كما قامت "شارلي إيبدو"، في مارس من السنة نفسها، بنشر نداء
تدعو فيه إلى محاربة الإسلاموية، واصفة إيّاها بمدٍ ديني يهدّد الديمقراطية، غير
أن هذا النداء رفضته مجموعة من التنظيمات الحقوقية الفرنسية، كالرابطة الفرنسية
للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن.
سنة 2011 تعلن "شارلي إيبدو" عن وصفة كاريكاتورية أثارت
انتقادات واسعة، فقد أصدرت عدداً خاصاً تتهكم فيه على الإسلام والمسلمين، أسمته
"شريعة إيبدو"، زعمت فيه أن الرسول هو رئيس تحريره، وذلك بمناسبة فوز
حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية التونسية.
هذه المرّة وصل الاحتقان حداً أكبر من المرة السابقة، ورمى متظاهرون
قنبلة مولوتوف على مقرّ الجريدة أدت إلى إحراقه، غير أنه، من جهة أخرى، حققت
الجريدة واحداً من أعلى أرقام مبيعاتها في تاريخها، ونفذت كل نسخها من الأكشاك في
ساعات قليلة، ونالت دفاع عدة أحزاب فرنسية اعتبرت أن الجريدة تمارس حقها الدستوري
في حرية التعبير.
بعد هذا التاريخ، وبالضبط في أعقاب صدور الفيلم المسيء للإسلام
"براءة المسلمين" نهاية 2012، عادت الجريدة لإصدار ملف مطوّل عن رسول
الإسلام، جسّدته في صورة الغلاف يجلس على كرسي متحرّك، وفي صورة أخرى عارياً. وقد
باعت الصحيفة في ذلك العدد قرابة نصف مليون نسخة، دون أن تكثرت لمقاضاتها من طرف
جمعيات إسلامية.
ولم تتوقف سخرية "شارلي إيبدو" عند حدود الديانة الإسلامية،
بل سخرت بطريقة فجة من الرموز الدينية المسيحية عندما نشرت رسماً، خلال العام
الماضي، يصوّر عملية خروج طفل من رحم أمه، وادعت الصحيفة أنهما مريم العذراء
والنبي عيسى.. إضافة لنشر رسم آخر يصوّر ما تزعم الصحيفة أنها مريم البتول وهي
تستهزئ من مسيحيي العراق.. كما سخرت الجريدة من الديانة اليهودية عندما أعادت نشر
رسم قديم سبق أن ضمه إصدار لها، يبيّن حسب قولها "اختلاف مؤخرة يهودي عن
المؤخرات الأخرى".
لأكثر من تسع سنوات واسم جريدة "شارلي إيبدو" يحتل، بين
الفينة والأخرى، عناوين وسائل الإعلام الدولية بعدما تحوّل الإصدار الأسبوعي نفسه
إلى خبر ساخن تلوكه الألسنة عوض أن تكون فضاء للنشر، خاصة عندما اقترن اسمها
بالسخرية من الأديان والمعتقدات، ومن ذلك دأبها على استفزاز المسلمين برسم رموزهم
المقدسة والتهكم عليها.
غير أن مسار "شارلي إيبدو" يعود إلى ما قبل هذه الفترة
بكثير.. فمنذ تأسيسها سنة 1970 وهي ترفع شعار حرية التعبير التي لا تعترف بخطوط حمراء،
خاصة ما يتعلق بالدين والسياسة والحياة نفسها، ولا غرو في ذلك، فقد أتت على أنقاض
خطى جريدة أخرى اشتهرت بفرنسا قبل السبعينيات وهي "هارا-كيري"،
"الجريدة الغبية والمشاكسة" حسب شعارها.
"هارا-كيري"
تأسست سنة 1960 من طرف رساميّن للكاريكاتير، لتكون أصل "شارلي إيبدو"،
فمنها خرجت جريدة شهرية سنة 1969 اسمها "شارلي"، وكانت عبارة عن سلسلات
من الرسوم المصوّرة على الطريقة الأمريكية.. غير أن "هارا كيري" تحوّلت
إلى جريدة أسبوعية، وبعد منع تكرّر أكثر من مرة، لطبيعتها التهكمية، توقفت بشكل
نهائي عام 1970 بأمر من وزير الداخلية الفرنسي جراء سخريتها من مقتل 146 فرنسي في
حريق مهول، ولم تحترم مشاعر الفرنسيين في ذلك اليوم الدامي حسب السلطات.
تحوّلت "هارا-كيري" إلى "شارلي إيبدو" منذ ذلك
المنع، ثم توقفت عن الصدور لمدة من الزمن لأسباب مادية صرفة، قبل أن تولد من جديد
سنة 1992 بتعاون جمع عددا من رسامي الكاريكاتير، اثنان منهم قُتلوا في العملية
الإرهابية ليوم الأربعاء 7 يناير الجاري.. وقد حققت منذ التسعينيات مبيعات متقطعة
من بينها تجاوز لحاجز مئتي ألف نسخة، وفي أحايين بالكاد تصل إلى بيع 55 ألفا.
ورغم مثولها أكثر من مرة أمام القضاء في دعاوى مرفوعة عليها من شخصيات
وتنظيمات متعددة، إلا أن ذلك لم يجعل "شارلي إيبدو" تتوقف عن نهجها
الساخر حتى من معتقدات الآخرين. بل إن المظاهرات التي نادت بإغلاقها، ومحاولة قتل
رساميها، وإلقاء زجاجات حارقة داخل مقرّها، كل هذه التداعيات لم تجعل هذه الجريدة
تتوقف عن "استفزاز الآخرين" برسوماتها وحتى مقالاتها، .
في أول احتكاك حسّاس بينها وبين المسلمين، أعادت الجريدة بداية عام
2006 نشر اثنين من رسوم مسيئة لرسول الإسلام صدرت في جريدة دانماركية هي
"يولاندس بوستن"، ممّا أدى إلى احتجاج كبير من الجالية المسلمة بفرنسا،
وإلى مقاضاتها من طرف جمعيات إسلامية بدعوى نشر الكراهية دون أن تسفر المقاضاة عن
متابعاتها..
كما قامت "شارلي إيبدو"، في مارس من السنة نفسها، بنشر نداء
تدعو فيه إلى محاربة الإسلاموية، واصفة إيّاها بمدٍ ديني يهدّد الديمقراطية، غير
أن هذا النداء رفضته مجموعة من التنظيمات الحقوقية الفرنسية، كالرابطة الفرنسية
للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن.
سنة 2011 تعلن "شارلي إيبدو" عن وصفة كاريكاتورية أثارت
انتقادات واسعة، فقد أصدرت عدداً خاصاً تتهكم فيه على الإسلام والمسلمين، أسمته
"شريعة إيبدو"، زعمت فيه أن الرسول هو رئيس تحريره، وذلك بمناسبة فوز
حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات البرلمانية التونسية.
هذه المرّة وصل الاحتقان حداً أكبر من المرة السابقة، ورمى متظاهرون
قنبلة مولوتوف على مقرّ الجريدة أدت إلى إحراقه، غير أنه، من جهة أخرى، حققت
الجريدة واحداً من أعلى أرقام مبيعاتها في تاريخها، ونفذت كل نسخها من الأكشاك في
ساعات قليلة، ونالت دفاع عدة أحزاب فرنسية اعتبرت أن الجريدة تمارس حقها الدستوري
في حرية التعبير.
بعد هذا التاريخ، وبالضبط في أعقاب صدور الفيلم المسيء للإسلام
"براءة المسلمين" نهاية 2012، عادت الجريدة لإصدار ملف مطوّل عن رسول
الإسلام، جسّدته في صورة الغلاف يجلس على كرسي متحرّك، وفي صورة أخرى عارياً. وقد
باعت الصحيفة في ذلك العدد قرابة نصف مليون نسخة، دون أن تكثرت لمقاضاتها من طرف
جمعيات إسلامية.
ولم تتوقف سخرية "شارلي إيبدو" عند حدود الديانة الإسلامية،
بل سخرت بطريقة فجة من الرموز الدينية المسيحية عندما نشرت رسماً، خلال العام
الماضي، يصوّر عملية خروج طفل من رحم أمه، وادعت الصحيفة أنهما مريم العذراء
والنبي عيسى.. إضافة لنشر رسم آخر يصوّر ما تزعم الصحيفة أنها مريم البتول وهي
تستهزئ من مسيحيي العراق.. كما سخرت الجريدة من الديانة اليهودية عندما أعادت نشر
رسم قديم سبق أن ضمه إصدار لها، يبيّن حسب قولها "اختلاف مؤخرة يهودي عن
المؤخرات الأخرى".