حقائق الإصلاح والتغيير

التعامل الأمني السلمي مع المسيرات والتظاهرات وشتى أشكال الاحتجاجات لا يختلف في جوهره عن التعامل بعنف أو وحشية، وذلك عندما يكون الغرض من الأمرين هو نفسه، ومحدد بعدم الاستجابة أو تقديم أي تنازل.

 

مرت عدة أشهر حتى الآن على تطور مسار التظاهرات والمسيرات، ولا شيء يلوح جدياً بالآفاق للاستجابة لإحداث إصلاحات من أي نوع، وكل ما في الأمر حتى الآن مجرد كلام معسول ووعود ومماطلات عبر تشكيل لجان ليست ذات فاعلية حقيقية، أو إرادات مستقلة.

 

وهذا الواقع المفهوم والواضح هو الذي يدفع للاستمرار في الاحتجاجات ومقاطعة الدعوات للحوار، باعتبار حوار الحكومة مع المعارضة والمطالبين بالإصلاح حوار مع غير ذي صفة أيضاً من حيث كونها ليست صاحبة قرار بإحداث إصلاحات سياسية، وأن كل ما لديها كتابة محاضر اجتماعات والاقترحات والمطالب وليس أكثر من ذلك، إذ لم يحدث قط أن حكومة قررت في أي وقت من الأوقات تغييراً جدياً في أي مستوى إداري وسياسي قائم، كما أنه ليس لحكومة مهما كان وجهها وشكل جوهرها الخروج عن النص العام للدولة، المحدد بأجهزة عمل ذات واجبات ثابتة ومهمات محددة في الإبقاء على ما هو قائم وعدم السماح بالنفاذ إليه أو حرفه عن مساره.

 

لجنة الإصلاح المطروحة للناس تحت يافطة الحوار الوطني لن تحقق أكثر من أي لجنة سبقتها لذات الأغراض، وبالإمكان صدور مئات الأوراق عنها، غير أن ما فيها لن يعدو كونه مجرد كلام ونصوص مثيرة للإعجاب، ومبعثة للأحلام دون أن يكون لها فرص للنفاد في أي محور مطروح للتغير والإصلاح.

 

الدعوات للإصلاح هم كل الشعب ما عدا المطلوب منهم وظيفياً الوقوف في مواجهة هذه الدعوات، والتدقيق في الأمر يكشف أن كل الناس تطلب تغييراً على ما هو قائم، وعدم البقاء فيه أكثر مما عاشوه فيه حتى الآن.

 

أما الاستمرار في سياسة الالتفاف على حقوق الناس بحياة أفضل فإنه لن يصمد أمام اتساع دائرة الوعي الشعبي لحقوقهم بالحرية والكرامة غير المنقوصتين. كما أن اللعب على حبال التهديد بالانقسام الجهوي والإقليمي بين مكونات الشعب، فإنه أول ما سيسقط عندما تتوحد إراداتهم بالإصرار على التغيير، إذ باتوا على يقين أنهم أساساً من نفس الطينة التي تعجن حتى الآن على مقاس فرد واحد.

Share/Save/Bookmark