همسات "فيسبوكية"
يدهشني عالم النحل في نظامه وتكيفه وآلية عمله، حياة رائعة، كل فرد فيها يعرف المهام المطلوبة منه ويقوم بها على أكمل وجه، ويعيش النحل داخل خليتهم ويحكمهم نظام داخلي مضبوط.
كذلك يحتاج اي مجتمع الى نظام داخلي يعيش وفق أحكامه، يتضمن هذا النظام الأليات المطلوبة لإستمرار الحياة، فيعاقب فيها المسيء والمخالف للقوانين، ويثاب فيها المحسن المتبع للتعليمات والقوانين.
ويعتبر "فيس بوك" اليوم عالم بحد ذاته، يعيش فيه الملايين من البشر، الذين يتواصون فيما بينهم على الرغم من تباعد المسافات بينهم، وربما عدم المعرفة المسبقة.
ويحتاج "فيس بوك" اليوم الى أشبه ما يكون لنظام داخلي "أخلاقي"، يتضمن هذا النظام القوانين والتعليمات الواجب على أعضاءه إتباعها بدقة، من أجل ديمومة العلاقات والتواصل وتجنب الإساءات.
وبما أن "فيس بوك" يتضمن نظاماً قانونياً ويخلو من نظام أخلاقي، وجب على كل فرد يسعى الى أن يكون أحد عناصر هذا المجتمع أن يتحلى بمجموعة من الصفات، وأن يتسلح بالعلم والثقافة المطلوبة، وأن يخط لنفسه خطوطاً حمراً مصدرها دينه وعقيدته وعاداته وتقاليده.
ومن أهم التعليمات التي يجب أن يتبعها الشخص "الفيسبوكي" اليوم هي اللات العشر وهي "لا تجرح، لا تسيء، لا تظلم، لا تفتري، لا تكفر، لا تسب، لا تشك، لا تبالغ، لا تتكبر، لا تتجاوز".
وعدد الأصدقاء على صفحتك لا ينم عن شعبيتك، ولا يمثل قيمتك الإجتماعية، فبإمكان أي شخص أن يحصد ملايين الأصدقاء في يوم واحد، وتكون صفحته "الفيسبوكية" خراباً ولا تملك أية قيمة ثقافية أو إجتماعية أو دينية.
وطلب الصداقة في "فيس بوك" هو طلب للإطلاع على معلوماتك ونشاطاتك وكتاباتك ومشاركاتك، وينم عن إعجاب الطالب بفكرك ونشاطك، ولا يعني بالضرورة طلب للحب أو الزواج أو لعلاقة غير مشروعة.
ومن الوارد أن يحدث بينك وبين صديق "فيسبوكي" خلاف في وجهات النظر، مصدره ثقافة كل منكما، وتغذيته التربوية، وعاداته وتقاليده، فما تراه حسناً قد يذمه الآخرون، وما تكرهه قد يبدو محبباً لمن هم حولك، فلا يؤثر هذا الخلاف على علاقتكما بصفتكما فردين في مجتمع "فيسبوكي" واحد، وإنما وجب لكل شخص فيكما أن يحفظ رأيه ويحترم رأي صديقه.
وكغيره من المجتمعات؛ قد يعتبر "فيس بوك" مجتمع منفتح قليلاً، بإمكانك ذكر ما تقوم به يومياً من نشاطات، كما لو كنت في جلسة صداقة في منزلك او في مقهى ما، ولكن وجب عليك الإحتفاظ ببعض الخصوصيات لنفسك، فلا يوجد هنالك داعي للإفراط في ذكر نشاطاتك، أو أماكن زياراتك وتواجدك، أو صورك وصور من هم حولك، أو من هم برفقتك بالوقت والزمان والمكان، لأن ذلك قد يكشف عورتك التي وجب عليك حفظها.
وعندما تهم بالتعليق على منشور لصديق "فيسبوكي"؛ وجب عليك أن تستحضر مبادئك وعاداتك وتقاليدك، وأن لا تذكر إلا خيراً أو تصمت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت"، فليس هنالك حاجة للسب والشتم واللعن والإساءه، وتذكر دائماً قانون اللات العشر.
إن ضغطك لزر الإعجاب على صفحة التواصل الإجتماعي لا يعني بالضرورة أنك توافق على ما جاء في المنشور، ولكن يعني أنك تتمتع بفضاء واسع من الأخلاق جعلك قادراً على إستيعاب وإحترام آراء من هم حولك.
إن ما نلاحظه اليوم من بداية لمشاكل بين الأزاواج أو الأقارب والأصدقاء، مصدره مواقع التواصل الإجتماعي، يعود الى عدم درايتنا الواسعة لآلية التعامل مع هذا المواقع، والى دخولنا الى هذا المجتمع دون أن نملك الوسائل "الأخلاقية" اللازمة لإستمرار الحياة في هذا المجتمع "الفيسبوكي".