مراحل تأخير حل «القضية الفلسطينية» وانعكاساتها؟




المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد بزعامة «هرتزل» في كازينو مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897م خرج بعدة قرارات تهدف جميعها باختصار شديد إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين, وقد توقّع المجمعون وقتها نشوء نزاع (فلسطيني- إسرائيلي) كبير لن يحل على المدى القريب وسينتج عنه لاحقا أزمات وحروب في منطقة الشرق الأوسط لها أول وليس لها أخر, مؤكدين أن استمرارية هذا النزاع سيحافظ حتما على الوطن القومي للشعب اليهودي في فلسطين, لذا على اليهود في جميع أنحاء العالم ومن في صفهم أن يعملوا جاهدين على عدم حل هذا النزاع حفاظا على دولتهم .

لقد عمل جميع يهود العالم ومن والاهم ضمن ثلاث مراحل من اجل بقاء النزاع (الفلسطيني- الإسرائيلي) مستمرا بهدف المحافظة على وطنهم القومي في فلسطين, وعند وضع هذه المراحل الثلاث تحت المجهر سنجد أنها تتمحور حول استراتيجيات مدروسة بدقة وهي: أولا مرحلة الخوف والتخوف, ثانيا مرحلة بناء الشرخ والفتن, ثالثا مرحلة التعايش والاندماج,..أمام هذه المراحل الثلاث وللأسف الشديد الأمة العربية بشكل عام, والشعب الفلسطيني بشكل خاص لم يدركوا هذه الاستراتيجيات بمراحلها الثلاث, فقد غاب عن كل هؤلاء تحليل المواقف والأحداث التي حصلت وربطها مع بعضها البعض حتى تاريخه, مع العلم أن مظاهر وإرهاصات ومعالم هذه المراحل واضحة عند التدقيق للجميع, أو على الأقل للساسة العرب والفلسطينيين. 

مرحلة الخوف والتخوف(1948-1967), في هذه المرحلة استطاعت اللوبيات اليهودية في العالم وفي فلسطين من العمل على تأسيس ثقافة غنية عند الشعب اليهودي تتضمن الخوف والتخوف من عداء وكره وانتقام العرب تجاه الشعب اليهودي, وقد تم غرس هذه الثقافة لدى الشعب اليهودي في المدارس والمعاهد والجامعات خارج وداخل فلسطين, وقد وصل الحد إلى ابعد من ذلك, من خلال بث الخوف والرعب في صفوف اليهود, حيث قال بعضهم أن العرب سيقضوا على جميع يهود العالم, أو على الأقل أن العرب سيلقوا بيهود فلسطين في البحر..البحر الأبيض المتوسط . 
 
مرحلة بناء الشرخ والفتن(1967-2001), في هذه المرحلة تمكّن الساسة اليهود واذرعتهم الممتدة من بناء شرخ عميق وفتن قوية بين الدول العربية, وبناء فتنة وشرخ آخر لا يقل أهمية وعمق عن الأول بين الفلسطينيين أنفسهم (فتح - حماس), والمتتبع لمشهد الشرخ والفتن بين الدول العربية, وللشرخ والفتنة بين (فتح - حماس) والتي خطط لها اللوب الصهيوني لا ينقصه إلا أن يضع بعض أدوات الترقيم بينها مثل أداة الاستفهام والتعجب, ..لكن المتتبع للمشهد لم يصل بعد إلى وضع أهم أدوات الترقيم وهي النقطة (.), كي يبدأ من أول السطر. 
 
مرحلة التعايش والاندماج(2001-2015), في هذه المرحلة الغريبة العجيبة خرج لنا اليهود بلحن جديد ضرب عليه العازفون اليهود على موضوع صعوبة أو ربما استحالة تعايش الشعب اليهودي مع الشعب الفلسطيني أو الاندماج معه, من خلال طرحهم التساؤل الأتي, كيف سيتعايش الشعب اليهودي مع الشعب الفلسطيني؟ وخرج فريق يهودي آخر اخطر من ذلك, ليطرحوا التساؤل الأصعب من التساؤل الأول, حيث قالوا يمكن للشعبين, الشعب اليهودي مع الشعب الفلسطيني من التعايش معا مع حذر الاندماج, لكن ضمن شروط تحددها جلسات من المفاوضات المملة والطويلة أهمها صعوبة التعامل مع تغريدة حماس خارج سرب منظمة التحرير الفلسطينية. 
 
النزاع (الفلسطيني- الإسرائيلي) الذي يحرص جميع يهود العالم ومن غرد معهم على مد اجله, هذا النزاع اخذ اسم القضية الفلسطينية عوضا عن مصطلح النزاع (الفلسطيني- الإسرائيلي)خوفا من أن يقال أن هذا النزاع يحدث ضمن منطقة جغرافية صغيرة نسبياً، علما أنه يحظى باهتمام سياسي وإعلامي كبير نظراً لتورط العديد من الأطراف الدولية فيه وغالباً ما تكون الدول العظمى في العالم منخرطة فيه نظراً لتمركزه في منطقة حساسة من العالم وارتباطه بقضايا إشكالية تشكل ذروة أزمات العالم المعاصر، مثل الصراع بين الشرق والغرب، علاقة الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام فيما بينها، علاقات العرب مع الغرب وأهمية النفط العربي للدول الغربية، أهمية وحساسية القضية اليهودية في الحضارة الغربية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست اليهودي وقضايا معاداة السامية وقوى ضغط اللوبيات اليهودية في العالم الغربي. 

بقي أن نقول, إن التقاء سبب تأخير حل القضية الفلسطينية والمقصود من قبل اليهود من اجل بقاء دولتهم واستمرارها مع توفر أسباب أخرى أدى إلى ظهور مناخات صعبة وقاسية على خارطة العالم العربي, ..فانتشار الظلم في الوطن العربي, وتأخير حل القضية الفلسطينية, والخلل في حسابات الحركات الإسلامية, كل ذلك أدى إلى ظهور حركات تطرف في العالم العربي, استُثمرت هذه الحركات من قبل أعداء هذه الأمة, واعتقد جازما أننا سنبقى كما يقال ندور في دائرة مفرغة أو ننفخ في قربة مثقوبة ما دام الظلم في الوطن العربي منتشرا, وما دامت القضية الفلسطينية عالقة, وما دامت حسابات الحركات الإسلامية خاطئة.

..الشعوب العربية باختصار تحتاج إلى حياة كريمة آمنه بعيدة عن الظلم والقهر والحرمان, وحل دولي عادل للقضية الفلسطينية, ودين إسلامي وسطي معتدل, .. وتحتاج إلى تجديد الصلح مع الله ومع النفس ومع الآخرين, ..وتحتاج إلى تعويض معنوي لـ(الـ60) سنة الماضية على الأقل!