الغاء تخصص تربية الطفل






تصريح رئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم , بالغاء تخصصي تربية الطفل ومعلم المجال في الجامعات , وتبريره لهذا التوجه هو القضاء على العنف الطلابي , باجتثاث منابعه , و بحسب تصريحه بؤر العنف ومنابعه هي الكليات الانسانيه التي تشكل 56 بالمائه من عدد الدرارسين في الجامعات .

لا اريد ان اناقش اسباب العنف الطلابي فقد كانت لي مقاله تفصيليه حول اسباب العنف الجامعي , والتي مع الاحترام لرئيس هيئة الاعتماد , لم يتطرق كل من تحدث عن اسباب العنف من المختصين , ان بؤر العنف تكمن في تخصصات الكليات الانسانيه كما ذكر عطوفته .

واذا كان ما يقوله صحيحاً , فالعيب ليس في التخصصات الانسانيه بل في سياسات التعليم العالي , بالسماح بطرح تخصصات انسانيه اتخمت السوق , واقحمت ابنائنا بدخولها , حتى وصل الامر ان الطالب الذي لم يتسنى له دراسة التخصص الذي يرغبه بسبب تدني معدله , يقبل في التخصصات الانسانيه لتدني معدلات القبول فيها , وهذا انعكس سلباً على نوعية الخريجين , وهذا كله بسبب السياسات وليس التخصصات .

اما المصيبه الاكبر ان يكون كبش الفداء في تحجيم التخصصات الانسانيه , بالغاء تخصص تربية الطفل , غريب امر وزارة التعليم العالي , تتناقض مع نفسها فهل نسيت إن أهداف التربية في رياض الأطفال لا تنفصل عن أهداف التربية بشكل عام .
فإذا كانت التربية تهدف إلى بناء المواطن الصالح الذي يسهم في بناء وطنه بشخصية متكاملة , فإن الاهتمام بمرحلة رياض الأطفال يُعد واحداً من الأمور التي يستدل بها على تبلور الوعي المجتمعي ورقي ثقافته ، إذ إن الاهتمام بالطفولة جزء من الاهتمام بالحاضر والمستقبل معاً ؛ لأن الأطفال يشكلون الشريحة الأكثر أهمية في المجتمع , ولأنهم جيل المستقبل , وهذا مطلبٌ اجتماعيٌ مهم. لذا تعتبر رياض الأطفال مؤسسات تربوية واجتماعية هامة في أي مجتمع واع .
فقرار الغاء تخصص تربية الطفل يسعى إلى نسف أسس ومعايير تشريعية أقرها قانون التربية والتعليم الحديث, وهو قانون رقم (3) لعام 1994م, الذي أكد على أهمية مرحلة رياض الأطفال بوصفها مرحلة تعليمية وحلقة من حلقات التعليم في الأردن.
وقد تجلت هذه الأهمية في الرؤية الملكية السامية , في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ، والتي انبثقت عنها أسس خطة التطوير التربوي نحو اقتصاد المعرفة , الذي تضمّن مكوّنات ركزّت على مرحلة الطفولة المبكرة وإعداد الأطفال للتعلّم في مرحلة رياض الأطفال , مثلما ركزّت على تحسين البيئة الصفية, وإعداد منهاج مخطط له بعناية؛ ويعمل على توفير فرصٍ للتطور والتعلم, ويزودهم بالمعارف والمهارات والخبرات الضرورية على نحو متكامل في الجوانب النمائية كافّة, إضافةَ إلى تركيز برنامج التطوير التربوي على رفع الكفاءة المؤسسية التعليمية بتحقيق تنمية مهنية مستمرة للعاملين في مجال رياض الأطفال .
لم يعد اختيار معلمة رياض الأطفال أمراً عشوائياً, ولم تعد مهمة إسناد العمل مع الأطفال عملية تجري كيفما اتفق, وذلك لإدراك أهمية الطفل في تلك المرحلة ومدى خطورة توجيهه وبناء شخصيته وإعداده الإعداد السليم القائم على أسس متينة تكفل له السير بسهولة ويسر في المراحل التي تلي تلك المرحلة , لذلك أولت الدول المتقدمة والعربية جل عنايتها بإعداد الكوادر المؤهلة للعمل في هذه المرحلة المهمة , وذلك بفتح أقسام خاصة لتدريس تخصص تربية الطفل في الجامعات والكليات.
ونحن في الاردن نفاخر اننا من السباقين لايلاء الاهتمام باستحداث تخصصات تعنى بالطفوله وبمناهج متقدمه , وتأهيل كفاءات متخصصه لتدريس هذا التخصص , وكل هذا جاء بفضل رؤى وتوجيهات جلالة الملك وجلالة الملكه ومن خلال مبادرات تكللت بالنجاح , وكان افتتاح كلية الملكه رانيا للطفوله في الجامعه الهاشميه , والاولى في الشرق الاوسط تعنى بهذه التخصصات , باكورة هذا الجهد , والذي جاءت استجابه لمبادرة جلالتهما للارتقاء بالطفوله في الاردن.
العالم الان يتسابق للاستثمار بالاطفال , الذين هم عدة المستقبل , ونحن نسعى لتغير المسار بالغاء تخصصات تربوية تعنى بالطفل .
ربما نسي عطوفة رئيس هيئة الاعتماد اننا بالغاء هذا التخصص نحرم جامعاتنا من منح المؤسسات العالميه الداعمه للطفوله, مثل اليونيسف واليونسكو وغيرها ممن تتبنى رعاية الطفوله في عالمنا العربي . ونسي ان الكوادر التي تم تأهيلها في افضل الجامعات العالميه , ستصبح عبأ على الجامعات التي اوفدتها , ونسي ان كلية جلالة الملكه رانيا للطفوله في الجامعه الهاشمية والتي جاء تأسيسها بأراده ملكيه ستغلق بألغاء التخصص ؟؟
ونسي اننا بالغاء هذا التخصص نلغي فرصة استقطاب هذه التخصصات لطلبة دارسيين فيها من الخارج وخاصة طلبة الخليج .
ونسي ان على رأس الاهداف في العالم المتقدم هدف معني بمرحلة رياض الأطفال , وهو "الاستعداد للتعلم"
بمعنى: أن كل الأطفال سيصلون المدرسة ولديهم الاستعداد للتعلم , إذ أكد هذا الهدف على حق كل طفل بدخول برامج ذات جودة عالية تعدهم للمدرسة .
فهل نحن بهذا القرار نتقدم ام نتقهقر ؟
إن تمكين الأطفال من الخروج من مرحلة رياض الأطفال , وهم قادرون على حل المشكلات اليومية, واتخاذ القرارت المناسبة إزاءها, وتحقيق التوازن في بناء شخصياتهم , هو رهنٌ بتلك الخبرات التربوية التي يمرون بها في هذه المرحلة, حيث تعتمد قدرة الطفل على التعلم خلال مرحلة المدرسة على الكفاءة التي يطورها في النواحي العقلية والاجتماعية والعاطفية في مرحلة رياض الأطفال.
وهذا لا يمكن أن يترجم على أرض الواقع إلا من خلال رؤية تربوية ورسالة واضحة في أذهان العاملين في مجال التربية , وواضعي السياسات التربوية.
وبناء عليه آمل ان تعود وزارة التعليم العالي عن قرارها بالغاء هذا التخصص .
د. نزار شموط