هـــويــــة الجـــامــعـــــات

من يعرف كيف بدأت الحياة الجامعية في الأردن ، يستطيع أن يصل إلى السبب الحقيقي وراء كلّ هذا التراجع والعنف في الجامعات ، فقد كان للجامعة هويتها التي تجمع كل الجسم الطلابي من كل المنابت والأصول ، وكان الطالب الجامعي يعرفّ نفسه بأنه " طالب في الجامعة الأردنية " أو في جامعة اليرموك ، ولم يكن ينتسب إلى هوية عشائرية أو مناطقية ،ونجحت الجامعات في البدايات في صياغة هوية متناغمة تجمع الطلبة ، وهذا هو مفتاح النجاح في الإدارات الجامعية ، 
الذي انفلت اليوم من أيدي القيادات في جامعاتنا ، وهو ما يجب أن يتم استعادته والتركيز عليه .
لماذا نجحت جامعة العلوم والتكنولوجيا بإعطاء هوية لطلبتها عبر هذه السنوات من عمرها ..؟ ولماذا لا ينجرف الطلبة فيها في مسلسلات الصراع العقيم الذي دخل من بوابات بعض الجامعات وشوه صورتها التي يجب أن تكون ناصعة في عيون أهل الأردن وعيون الآخرين ممن يثقون بنا ويرسلون أبناءهم ليدرسوا في جامعاتنا من دول العالم الواسع ..؟
لقد نجحت الجامعة بإعطاء هويتها لطلبتها الذين يعرفون أنهم في مكان له حرمته ، وهذه الهوية يجب ألاّ تغيب ، لأنها - إن غابت -تسمح للطالب بإظهار هويته العشائرية أو المناطقية أو الدينية أو المذهبية .. فلماذا نغضب من طلبتنا ولا نغضب من إداراتنا الجامعية ..؟ لماذا لا نحاسب الجامعات التي تعمل إداراتها على تهميش دور المؤسسة ولا تنجح بإعطاء الجسم الطلابي الكبير الذي يصل في بعض الجامعات إلى أربعين ألف طالب هويتها وتفرض حضورها ..؟
الإدارات الجامعية ليست بمكاتب مكيفةّ وافتتاح المؤتمرات والسفر إلى الخارج ، إنها الروح والطاقة التي تملك إرادة التغيير ، رئيس الجامعة مثل القائد العسكري الذكي الذي يتحملّ نتائج قراراته ويعرف كيف يرسم الخطط ويكون في المقدمة ، ولا يعتمد على طاقم يخدمه ..القيادات الجامعية التقليدية التي تطبق فقط القوانين الجاهزة والتعليمات والأنظمة والتعليمات هي التي حولتّ الجامعات إلى أماكن لا روح لها ولا هويةّ، وسمحت بالتالي للطلبة بتغليب هوياتهم العشائرية والمناطقية على هوية الجامعات ، ومن هنا صرخنا بأعلى أصواتنا مطالبين بوضع معايير لاختيار هذه الرئاسات ، ونصرخ الآن بضرورة وضع معايير أخرى لمتابعة أداء هذه الرئاسات ، رئيس الجامعة ونوابه قادة وليسوا مجرد أصحاب وظائف ، وعليهم الآن مهمة استعادة هوية الجامعات وترسيخها وعدم السماح باختطافها ، وهذه مهمة كلّ الأطراف التي تضمها الجامعات ، علينا كلنا في مجتمعنا الأردني الذي صمد باقتدار أمام تسونامي ربيع العرب ، وأثبت بقيادته أنه حالة متميزة ونموذج راسخ ، أن نعمل على تمتين هوية الجامعات وعدم السماح باختطافها ، صحيح أن المسئولية المباشرة بيد الإدارات الجامعية ، لكن نجاح هذه الإدارات بيدنا كلنا ، داخل الجامعات وخارجها ، كلّ المجتمع الأردني مطالب بتفهم هذه الحقيقة ، لأن الضغوطات التي تمارسها قوى المجتمع مسئولة عن إفشال أفضل السياسات التعليمية ، دعوا الجامعات تقود المجتمع وتحصنه ، وأعطوها الفرصة لتعيد للطالب هويته الجامعية ، ولنتذكر أنّ هويةّ الجامعات العريقة في العالم صنعت الأعراف الجامعية التي تقود العالم اليوم .