امتحان طبيعي لامكاناتنا

بعيدًا عن السلوك السلبي الذي ظهر في تصرفات بعض الاردنيين خلال الايام الماضية، ومظاهر استهلاكية غير طبيعية، أمام الجهات المعنية والمؤسسات العامة والخاصة، التي ستواجه المنخفض الجوي، امتحان سيكون حاسمًا لقياس مدى صدقية الاستعدادات، لأن المواطن لن يتساهل اذا انقطعت عنه وسائل الاتصال في ايام المنخفض.

لن نقبل ان يقول أحد من المسؤولين إنه تفاجأ بحجم المنخفض، فدائرة الارصاد الجوية منذ عدة ايام تنشر تقاريرها عن الاحوال المتوقعة، وتسير ساعة بساعة مع حركة المنخفض، حتى باتت مصداقيتها عالية جدًا، وتلقى احترام الاردنيين كافة.

منذ اليوم، لن نمارس الجَلْد، ونشد على يدي كل من يساهم في انجاز عمله في الظروف الجوية الصعبة التي نمر بها، وكما اشدنا في العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد العام الماضي، وبالبنط العريض، بجهود النشامى في الدفاع المدني والامن العام والقوات المسلحة وامانة عمان جميعهم، وهذا جزء من الواجب الوطني على الاعلام المسؤول والجاد، فاننا نقدم الشكر لكل عامل ومسؤول اظهر انتماء حقيقيا في بلادنا، وقام بدوره من دون حسيب او رقيب.

لكن، ومِن الآن، لن نقبل بانقطاع الخدمات الرئيسية عن المواطنين، ولن نقبل بانقطاع الكهرباء واغلاق الطرق، وانحباس الناس في منازلهم، لان جهة ما لم تقم بواجبها، ولن نقبل بتكرار إلقاء التهم وتحميل جهات من دون اخرى المسؤولية.

صحيح ان خبراء الاحوال الجوية يؤكدون ان العاصفة المقبلة غير مسبوقة، وصحيح ايضا ان لا احد يتحمل مسؤولية عبورها البلاد، لكن علينا ان نتحمل جميعا نتائجها وتداعياتها على حياتنا اليومية.

النقطة الاهم في الموضوع، نريد ان نتعلم من دروسنا شيئًا، وألّا نبقى ضحايا خطاب رسمي يبالغ بقدراتنا في مواجهة الازمات، يرافقه اعلام بائس، يقود المشاهدين والمستمعين، الى خطط مواجهة حرب مقبلة، واننا على "قدر اهل العزم".

في حالة المبالغة، يطمئن الناس، ويشعرون ان الامور تحت السيطرة، واننا سننتصر لا محالة على المشكلة التي تواجهنا.

نكتشف على ارض الواقع، اننا غير جاهزين، وان امكاناتنا بسيطة ومتواضعة، و"نغرق في شبر مية"، ولا نضمن حتى بقاء التيار الكهربائي موصولا، ولا توجد امكانات لمعالجة الاعطاب الناجمة، وتصبح الحياة كأننا فعلا في حرب حقيقية.

لا نجلد احدا، وهذه ليست من اخلاقنا، لكن من حقنا ان نقول ان ادارة الازمات، وليست الازمات فقط، بل حتى طريقة التعامل مع كل قضية تواجهنا، فيها مشكلة حقيقية.

لنتخلص من همجية نظام الفزعات، ومن الخطاب الاعلامي المضلل، والخطاب الحكومي غير المسؤول، ومن مسح جوخ بعضنا على اعمال هي من صميم واجبنا، ونعترف جيدا بامكاناتنا وحجمها الحقيقي، حتى نستطيع ان نقرأ واقعنا جيدا، ولا نبالغ في طموحاتنا، و"على قد الحافنا نمد رجلينا".