هل نستحي من لغتنا العربية.
مررت بشوارعنا الجميلة وما على جوانب أرصفتها من بنايات وقصور وأسواق، ومن محال تجارية وشركات ، شاهدت ديكوراتها الرائعة، وبضائعهـا الفاخرة ، وباعتها الأنيقين، وكل ما فيها من الوصف الذي ينطبق على المحلات التي تضاهي في جمالها ومحتوياتها أرقى المحال التجارية في العالم.
هي شركات ومؤسسات ومحال تحمل أسماء وعلامات تجارية محلية وأجنبية، على شكل لوائح إعلانية ضخمة، ملصقة على جدران البنايات وعلى زجاج الشركات والمؤسسات، جزء كتب بلغتنا العربية، ومعظمها كتب باللغة الإنجليزية فقط.
يبدو أن أصحاب هذه المؤسسات يستحون من لغتهم العربية، أو أن لغتهم العربية أصبحت دقة قديمة، أو أنهم تبرأوا من ثوبهم العربي الذي تخلف في هذا الزمن عن الركب العالمي، أوأشهر أصحابه براءتهم بشكل فاضح من التراث بكل مكوناته...اللغة واللباس والعادات، وربما لسانهم العربي أصبح مأجورا لحساب خليط من لغات تتسكع بين الشفاه، كأنما هذا الخليط دليلا على الرقي والتحضر على حساب لغته وقوميته وتراثه، أو يشكل حافزا من حوافز البيع وجذب المستهلك من طبقة أو منطقة معينة لتسويق سلعته، يبدو هذا على واجهات محالهم وعبر أفواههم بل وحتى في كتاباتهم وفواتير باعاتهم وحساباتهم.
لا نعني بذلك أن لا نتعلم لغة الغير، بل يجب أن نتعلمها وأن نستخدمها ولكن في الوقت والمكان المناسب، وفي المجال الذي تعجز فيه لغتنا عن إيجاد البديل، بحيث لا يسمح لهذه اللغة أو تلك أن تكون أو أن تنفرد على الساحة دون لغتنا التي تنبض بالعروبة وتاريخها المديد منذ نشأتها وقيامها.
اللغة جزء من أنفاسنا ونطقنا الأول، وإرثنا الذي ورثناه، وإذا أصاب الخلل أدائنا وتفكيرنا فإن ذلك لا يكون على حساب اللغة، حين يكون التقصير منا ومن أدائنا العاجز تماما عن الإبداع، علما بأن معظم لغات الغير وخاصة اللغة الإنكليزية قد تشكلت معظم كلماتها من لغتنا أيام القوة، بالتطويع عبر حروفهم التي ما زالت قائمة على حساب تراثنا المجيد.
حروف واجهات محلاتنا تحمل ما صنعه "سايكس بيكو" من جرائم قسمت الأرض العربية واغتصبت فلسطين وحملت أسماء العتاد والسلاح والدبابات والطائرات التي قاتلتنا واستعمرتنا، وما زالت تدك العراق وغزة وغيرها، فتقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وتهدم البيوت وتحرق الزرع والحصاد.
لكن لغتنا التي دخلت معظم أرجاء الأرض، كانت وما زالت تحمل كرامة الإنسان وصلته بالخالق، وتبين للناس مسارهم فوق الأرض وتحت الأرض وعند العرض، بل حملت ثقافة الروح والمادة عبر خطوط واضحة المسالك وطمأنينة دافئة، كونها لغة القرآن الكريم الهابط من السماء، ولغة الجنة والحساب والعقاب، ولغة الرحمة التي تنهى عن القتل والحرق، وأن لها من العظمة ما يجعلها سيدة اللغات.
إن اعتزازنا بلغة غيرنا هو اعتراف مباشر، بأن أذيال المستعمر مازالت تمسكنا وتقودنا إلى حيث تريد أن ننسى قضايانا، ليصبح كل ما يفعل بنا من قتل وقهر وحرمان، هو من أجل تطويرنا وتحسين موقعنا بين الأمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ