افحص إيمانك

نحرص كبشر على صحتنا البيولوجية والنفسية ومنا من يتفقدها وقائيا بفحوصات دورية، والكل يحرص على العلاج عند المرض، ولكن هل لدينا نفس الحرص؟
على صحة إيماننا وهو في صلابته قد يكون أعظم من الجبال، ولكنه عند زعزعته قد يكون أرق من خيط الثوب، وهو على كل الاحوال معرض باستمرار للزيادة والنقصان بحسب أعمال العبد الوجدانية والمادية.
يعرف كثير من المسلمين العناصر الأساسية للايمان ولكنهم يغفلون عن التفاصيل ودقائق الكمال وطرائق الاتباع والتحقيق، فتجد الكثيرين يحرصون مثلا على الصلاة، فروضها ونوافلها، بينما لا يعرفون أن السعي في حاجة مسلم تعدل وتزيد على الاعتكاف والقيام وهما من عظيم العبادات، يعرفون الزكاة والصدقة ولكنهم لا يعرفون أن الاهم ان تضع قلبك وجهدك في هموم المسلمين حتى تحسب منهم وعليهم مصداقا لقول الرسول عليه السلام: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، فلا يقر لك قرار ولا يرتاح لك ضمير وفي المسلمين من يئن خوفا وجوعا واضطهادا، انك إن لم تحدث خاطرك ونفسك بالانتصار لايمانك فقد وصلت أدنى الدرجات في فحص الايمان وأصبحت تترنح على هاوية المرض وإن لم تحس، ومرض القلب سبب في مرض الجسد واذا مرض البعض اوشك ان يمرض الكل!
بهذا المنطق يكون ما قاله محمد اقبال يصب في سويداء ومركز الايمان «على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ المسجد الأقصى»، فالمسجد الاقصى ليس مجرد مسجد له حرمة وقداسة ككل بيوت الله في الارض وليس مجرد أرض محتلة واجب على المسلمين أن يحرروها، إنه يحوز درجات عليا من القدسية والمكانة العقدية والمحورية في اهتمام المسلمين واولوياتهم، فهو قرآن مكي عقدي يتلى وهو طريق رباني وهو بشرى مستقبلية وهو محطة أخروية، وهذه السلسلة الايمانية لها استحقاقات على وجه الارض، وهي متصلة لا يمكن الايمان ببعضها والتخاذل عن بعضها الاخر، فلا يكفي أن نقول إننا مؤمنون بالوعد الحق فلقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة يوم قال له: أصبحت مؤمنا حقا، فرد عليه الصلاة والسلام «انظر ماذا تقول فإن لكل قول حقيقة فما حقيقة ايمانك؟».
ان الايمان المقدسي له أركان قابلة للقياس تدلل على مستوى ومنسوب الايمان في النفس جمعها الدكتور راغب السرجاني في كتاب قيم بعنوان (فلسطين واجبات الأمة) قدم فيها ١١٣٥ دورا ايجابيا، جماعيا وفرديا، قابلا للتطبيق من المسلمين على اختلاف اوضاعهم ما بين الحد الاعلى والادنى بحيث يكون لكل مؤمن مكانة ودور وسهم وضمانة ألا ينزلق الى دوائر التفريط، ومن هذه الادوار ما هو قلبي يدخل في تصحيح العقيدة بالعودة الى الله والانتماء والولاء الاوحد للاسلام والتوبة من الذنوب والتخفف من الدنيا وكمال العبادة والتحلي بحسن الخلق ودراسة السيرة، ثم ايمان عملي بفهم القضية ودراسة لأحكامها الشرعية واستيعاب لفكر العدو، ثم التحرك النشط بالقضية في الدوائر الضيقة والواسعة من اول الاسرة الى فضاء العالم، ثم الارتباط بمشروع يضمن توحيد الجهود وتركيزها واستمرارية العطاء وبغير هذا يكون في ايمانك نقص وثلم لا يعوضه سوى مقويات الاستدراك والعمل ومراجعة مستمرة ونفس لوامة تسأل دائما «أين أنا من القدس والاقصى وماذا بذلت وأبذل له؟!».
«على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ المسجد الأقصى» ان هذا القول يشير ان الايمان المقدسي ايمان فطري يولد مع الانسان ويستثار بنداء الأذان وشهادة الحق التي تكون اول ما يسمعه الانسان وان التربية عليه تكون منذ هذه المرحلة الاولى فمن تأخر فربما يظل يعاني من ضعف الخطى الا أن يعوض بمزيد من العطاء والتنافس، لقد فهمت هذا امرأة عمران فلم تنتظر حتى ولادة جنينها وانما نذرتها وهي ما زالت تتخلق فقد كان بيت المقدس في خطر لا يحتمل معه التأخير او الانتظار!
فهل قطع لنا آباؤنا يوم ولدنا مسلمين عهد انقاذ الاقصى وهل نستدرك اذا قصروا فنقطعه على أنفسنا قولا وعملا.