شعور «ناسيت»
حين نبت الشعر في لحيته، استشعر رجولته، واستعجل.. ككل منا، اليوم الذي يحلق فيه تلك اللحية الأولى.
أمه استمهلته قائلة: ليس هذا الشعر إلا زغباً.. فلا تستعجل حلاقته.
بيد أن رفاقه الذين حلقوا لحاهم، وبدوا أكثر إشراقا ولمعاناً، حثوه على خوض المغامرة.
لم يكونوا يدركون أنها مغامرة غير محسوبة العواقب.
بهدوء وحذر حلق لحيته للمرة الأولى بماكينة حلاقة والده، وبشفرة «ناسيت» التي كانت ذائعة الصيت أيامها، ولها دعاية يتصدرها شعار «شعور ناسيت»، وهو كناية عن الشعور الرائع بعد الحلاقة بحسب صانعي الشفرة.
وبلغ من شهرة هذا الشعار أنك إن سألت الكثيرين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عن شعوره، لأجاب عدد منهم: «ناسيت»!
وطوال عقود من حياته اعتاد حلاقات كثيرة عند حلاقين مشهورين، منهم حلاق كان يرفض حلق اللحية، لأن شفرته حزت مرة عنق زبون. وصاحبنا رهيف الحس جميل الخلق كثير التدين ولا يمكن أن يكون من أمثال أولئك الذين يحزون الأعناق على رؤوس الأشهاد.
ولم يستسغ قط ماكينة الحلاقة ذات القطعة الواحدة «أي التي تجمع الشفرة بالماكينة»، ولا تلك التي تحلق بشفرتين، ربما لأنه اعتاد على البحث عن ذات الشفرة «ناسيت»، ووضعها في ماكينة، ثم تمريرها على ذقنه.. ليحظى بذات الشعور القديم.
ولعل أصعب أنواع الحلاقة هو الحلاقة على الناشف.. وهو نوع يتقنه أصحاب العمل والحكومات، فلطالما حلق له على الناشف من أصحاب عمل، أما حلاقة الحكومات على الناشف فأكثر، وآخرها حلاقة الحكومة لكل من ناشدها عدم رفع أسعار الكهرباء، دون أن تخلف ذلك الشعور العام بالروعة والارتياح.
تطورت ماكينات الحلاقة خلال ما مضى من الزمن، وصار منها أشكال وألوان، لكن الشعور.. الشعور «شعور ناسيت»، ما عاد ممكنا تلمسه في فوضى الحلاقات التي تعرض لها.. ويتعرض، بل إن الشركة نفسها، تخلت عن شعارها، رغم أنه معروف لجيلنا بأسره ومن هم أكبر سناً، وحتى لرئيس الوزراء.
شعور صاحبنا اليوم ليس «ناسيت» بالتأكيد..