بدعة الزمن الجميل

يرفض أحدُ أصدقائي المقربين نعت ماضينا غير البعيد بالزمن الجميل؛ وذلك لكمية البؤس والحرمان التي تجرّعها أبناء تلك الحقبة؛ فقرٌ وجوعٌ وسوء مأوى……إلخ، ويضيف بأنه ما انفك يخشى وضعَ صورتِه في مجال التداول الإلكتروني خشية أن يجدها في خبرٍ عابر عن لاجئين أو مشردين في إحدى بقاع العالم، واليوم نجد صورنا ومجتمعنا وقد انتقل سريعا وتبلور بصورةٍ حادةٍ لم تراعِ السابق ولم تلتفت إليه، فانتقلنا من الخيل والدواب إلى السيارات، ومن الكتّاب إلى المدارس والجامعات والمعلمين الأجانب، ومن الطّب العربي إلى أدوية وعقاقيرَ ومستشفيات…، فأدى كل هذا التحول إلى معركة عنوانها الأصيل والمعاصر. ويقول أصحاب الشأن إنّ هذا التحول كان ثمرةً للطفرة النفطية ولتخلص العالم من حروبهم العالمية والمضي نحو التقدم والتكنولوجيا، وهو ما أسهم وبشدة في تطور حياة الناس ودخولهم عصرًا جديدًا بكل مكوناته وأدواته. بدعة الزمن الجميل هذه قد تنطلي على أبناء الجيل الحديث من الشباب الذين لم يلبسوا "الشارلستون" ولم يمشوا عشرات الكيلومترات ليبلغوا المدرسة، ولم يأكلوا اللحم سوى مرة واحدة في الأسبوع أو في المناسبات الرسمية، الشباب الذين ملّوا حياة الصخب واعتادوا على الجاهز من الحاجيات.

الزمن الجميل ذاك لم يكن يحمل أي تيسير أو سهولة فكل ما فيه صعب ومؤلم، والسؤال ههنا هو لماذا يصرّ بعضنا على نعت الحقبة السابقة من عمر مجتمعنا الأردني بالزمن الجميل وهو الذي خلا من كل سبل الراحة والترفيه المتوفرة حاليًا؟ فأي مفارقة تلك؟! ولماذا هذا النزوع للماضي والهروب من المستقبل؟وكيف يصبح العوز ترفًا؟ لعل التعليل هنا يقف عند باب الخوف اللامتناهي؛ خوفٌ من المستقبل يسبّب عودةً للخلف، فما دام الماضي معلومًا يصبح المستقبل المجهول مصدر قلق وريبة، ففي التاريخ ظلّ العربي أسير أسئلة وجودية ما انفكت تلاحقه وتقلقه؛ أسئلة الغياب والفقد والسماء، فهو يركن للحاضر والكائن ولا يطمئن للغياب بل ويخشاه، ماذا قصد الآخرون بالزمن الجميل؟؟