ماذا ستخرج أميركا من جعبتها بعد "داعش"؟...

بعد  فشل الخيارين اللذين سبقاه  : "خيار  الإخوان"  الذي عمل به على مدار اكثر من  ثمانية عشر شهرا لم تمكنه من تحقيق أهداف المشروع الصهيواميركي فلفظ أنفاسه الأخيرة في تونس بعد عجزه في سورية و سقوطه في مصر ، و كان بعده " خيار الوهابية السعودية"  ـ الذي ترنح حتى سقط في سورية   بعد سنة من إطلاقه .و ها هو الأن "خيار الوهابية الجديدة " المتمثل بتنظيم دولة الإرهاب  في العراق و الشام "داعش" يفتضح أمره بعد ستة اشهر على إطلاقه ، إلى الحد الذي بات من المؤكد عجزه عن خدمة المشروع الصهيواميركي وفقا لما حدد له من أهداف .

هنا ، قد يكابر البعض مجاهرا بالقول بان خيار "داعش"  لازال ممكن الاستنهاض و الإحياء ، خاصة و أن من اطلقه و اعتمده لتنفيذ استراتيجيته في تحويل المنطقة إلى مستعمرة أميركية واسعة ، لازال يملك من القدرات ما يمكنه من منع هذا الخيار من السقوط و هو الذي عول عليه الكثير بعد أن  أتاح لأميركا صاحبة المشروع أن تشكل تحالفا دوليا بقيادتها خارج الاطار القانوني المشروع و خارج قرارات مجلس الأمن ، و أن تحشد لهذا التحالف اكثر من 40 دولة عربية و إسلامية و غربية ، لكننا و في دراسة موضوعية لا نقر المكابرين على قولهم .

لقد تصورت أميركا بان خيار "داعش" سيمكنها من العودة العسكرية إلى المنطقة بشكل احتيالي سلس، و انه سيمكنها من إعادة وضع اليد على العراق ، و التغلغل في سورية ، و سيحول دون أي حسم عسكري في أي منطقة من الدولتين كما انه سيمكنها من إدارة حرب استنزاف في المنطقة لمدة 3 سنوات على الأقل ، تلزمها كما بات واضحا من خططها تلزمها لإعادة ترتيب أوراقها بشكل يعوض كل خسائرها السابقة من جهة و يحول دون توسيع الفضاء الاستراتيجي الحيوي لكل من ايران و روسيا اللتان باتتا تؤرقان المخطط الأميركي خاصة و الحلف الأطلسي عامة ، نظرا لما تملكانه من قدرات و عزيمة وإرادة   للعب الدور الدولي الذي تتيحه لكل منهما جغرافيته السياسية .

لكن الخطة -المكيدة الأميركية سرعان من افتضحت وبأقصر مما تصورته أميركا ذاتها من وقت. حيث أن الائتلاف الدولي المعلن ل "حرب داعش" بغية تجنيبها الحرب الحقيقية التي يجب أن تكون، هذا الائتلاف لم يخدع أحدا من الفرقاء الرئيسين الذين يواجهون المخططات الأميركية، ولم يثن أحدا منهم عن متابعة المواجهة المؤثرة التي تحول دون تنفيذ داعش الدور الذي رسم له في دوائر الاستخبارات الأميركية والصهيونية. ففي البدء كان تشكيك بالنوايا الأميركية وبعد أيام من بدء الضربات الجوية المزعومة ضد داعش ظهر وهن التحالف بذاته في محاربة الإرهاب كما يدعي أصحابه، ما جعل الخطة عاجزة عن أن تطمئن أو تخدر أي من العراق وسورية لحملهما على الاتكال عليه في محاربة داعش، بل أن كل من الدولتين حشدت طاقاتها الذاتية والتحالفية وانصرفت إلى حرب حقيقية ضد الإرهاب وحققت الإنجازات الكبرى التي أو صلت أميركا إلى قناعة سقوط خيارها الداعشي.

والآن وبعد هذه النتيجة التي لم تكن أميركا تتوقعها يكون ملحا للقوى المستهدفة بالمشاريع الأميركية الاستعمارية، طرح سؤال حول ما يمكن لأميركا فعله أو بالأحرى ماذا ستفعل أميركا بعد الفشل في خياراتها الثلاثة.  سؤال لا بد من مواجهته للتمكن من إعداد الذات للدفاع الناجح كما حصل خلال السنوات الأربع الأخيرة. سؤال يختصر بكل بساطة بالقوال: "ماذا ستخرج أميركا من جعبتها بعد داعش؟".

قبل البحث والتنقيب عن الإجابة أو الإجابات المحتملة أو المفترضة لا بد من التذكير بقاعدة أساسية تعتمدها أميركا في سلوكياتها بشكل عام، سياسية كانت أم عسكرية، قاعدة مضمونها أن " الإقرار بالفشل والتوقف عن الهجوم مع توفر القدرات والإمكانات هو خطيئة كبرى لا تغتفر "، فالقيادة حسب ما تعتمده أميركا يجب أن تمتلك فكرا إبداعيا قادرا على تحضير أكثر من خطة جاهزة لكل موقف، وتطرح خطة جديدة في كل مرة تفشل خطة قبلها، وتستمر المحاولات طالما أن هناك قدرات ووقت يتسع للمحاولة.

و تطبيقا لهذه القواعد التي تلتزمها أميركا في سلوكها و لواقعها الراهن ، و معاينة للمشهد المتشكل الأن في المنطقة نستطيع أن نقول بان أميركا فشلت في خططها لكنها لم تفقد قدراتها أو إمكاناتها على العدوان ، أما من جهة الوقت فان لدى أميركا حسب رأينا متسع منه الوقت اقله ستة اشهر و قد يصل إلى سنتين على حد ما أوحت به خلال الأشهر الأخيرة ( قالت أن حربها على داعش تتطلب 3 سنوات ) ، و بالتالي علينا أن نفكر بان أميركا لن تجنح للسلم أو الاستسلام أمام الفشل و الإخفاق الذي عانت منه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة .

و إضافة إلى ذلك ، و رغم ما يقال عن وضع اقتصادي أميركي صعب ، فان هناك تيار أميركي داخلي يحاكي في سلوكه  العدواني المتشدد سلوك المحافظين الجديد في نزعتهم لاعتماد العنف و استراتيجية القوة الصلبة التي تقود إلى الحروب ، و هو يدفع الآن إلى عدم ترك سورية عنوانا للفشل الأميركي ، و عدم القبول بان يرسخ العراق في التاريخ عنوانا للخيبة و الخسارة الأميركية ، و يدفع هذا التيار إلى عودة عسكرية قوية للمنطقة تحت عناوين الثأر و الانتقام أولا ، و عنوان قطع الطريق على روسيا و ايران ثانيا و منعهما من امتلاك  حيز ملائم في العراق و سورية و منهما إلى كامل المنطقة لتشكيل فضائهما الاستراتيجي الحيوي الذي يؤكد دفن مشروع النظام العالمي الأحادي القطبية و يعلن ولادة النظام المتعدد القطبية على أنقاضه.

مما تقدم نستطيع القول بانه من الخطأ توقع استسلام أميركا، أو توقع تركها روسيا تنجح في مبادرتها لحل سياسي في سورية يعطي الحقوق لأصحابها، وكذلك من الخطأ الظن بان أميركا خاصة خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجديدة، أي حتى توقيع الاتفاق النووي الإيراني، ستقف مكتوفة الأيدي أمام تراجع داعش تمهيدا لانهيارها الكلي المؤذن بفشل استراتيجية الاحتلال الأميركي الناعم.

صحيح أن أميركا مع من تجر وراءها في العدوان على المنطقة عامة وعلى محور المقاومة خاصة، هي في الوضع الأصعب أو الأسوأ منذ أن بدأت بالعدوان على سورية قبل أربع سنوات، وصحيح أن محور المقاومة بكل مكوناته هو في الموقع الأفضل له على مدار سني المواجهة تلك، ومع ذلك لا يمكن أن ننتظر أن تسلم أميركا أوراقها وتنكفئ بل أن ذلك قد يعقد أمام أميركا القرار في أي خيار تعتمدا وهو لن يكون امرأ سهلا أمام المخطط الأميركي. وهنا يمكن توقع واحد من الخيارات التالية:

1)  الخيار الأول: التدخل العسكري الأميركي المباشر بقوات عسكرية برية تنزل على الأرض بحجة محاربة داعش، من اجل القضاء عليها لكنها تنفذ في الحقيقة احتلالا في سورية والعراق لأرض محددة تسلمها بعد ذلك لقوات محلية بإسناد من قوات أميركية مباشرة على النحو الذي نفذته إسرائيل في جنوب لبنان عندما استعملت جماعات سعد الحداد وبعدها جماعات أنطوان لحد.

2)  الخيار الثاني: تأخير سقوط داعش ومدها بكل ما يمكن لاستعادة البريق في الميدان، واستعمالها كورقة ضغط لحجز موقع مؤثر في المفاوضات بحثا عن الحل السياسي الذي يجري الحديث عنه، وهنا قد تحاول أميركا أن تحول المبادرة الروسية إلى مبادرة مشتركة معها أو تعرقلها وتطلق مبادرة أخرى عبر اتباعها.

3)  الخيار الثالث: تعجيل أميركا في إعداد وحدات مما   تسميه "معارضة معتدلة "، مع فصائل أخرى لم تصنف إرهابية بقرار من مجلس الأمن، ومدعومة بقوى عربية أو حتى أميركية (بهوية سورية) ودفعها إلى الميدان مع إسناد جوي فاعل يمكنها من استلام المناطق التي تنتشر فيها داعش حاليا، ثم منع القوات الوطنية العراقية و  السورية من دخولها للحؤول دون انتصارات جديدة لهم. ولأجل ذلك أو تمهيدا له يتم التداول بدراسة غربية تقول بالتوازن الاستراتيجي القائم في سورية أو النظرية الإسرائيلية القائلة بسورية الصغرى، من اجل الإيحاء بان انتصار سورية بما يعيد لها امنها واستقرارها على كامل أرضها مع قرارها المستقل، امر مستبعد بنظرهم.

في مواجهة هذه الاحتمالات  نستبعد الخيار الأول  رغم كل ما يروج له من قبل الأوساط الدائرة في الفلك الأميركي أو الواقعة بالشراك الخداعية الأميركية، و نعتبره حتى اللحظة بمثابة الحرب النفسية ، كما أننا نستبعد الخيار الثاني لان أميركا لا يمكن أن تسلم لروسيا بمثل هذا الدور ، و يبقى الأرجح هو الخيار الثالث – خيار القوات لمقنعة – و هنا سيكون على محور المقاومة  ، الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الاحترازية و الاستباقية و خوض المواجهات ذات الطابع الهجومي لتطهير المناطق من الإرهابيين ، بما يؤكد  لأميركا أن خيارها الجديد لن يكون له من النجاح نصيب افضل مما سبق  . كل هذا يقودنا إلى القول بان الأشهر المقبلة قد تشهد من المواجهات ما قد يحدد مصير العدوان برمته، مع قناعة لدينا بقدرة محور المقاومة تكرار نجاحته التي تميز بها.