مجلس الأمن كذبة سياسية ووقاحة أمريكية
المتابع لمسار التاريخ السياسي الدولي، وبالتحديد فترة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، على دراية بأن كافة المنظمات الدولية، وبالتحديد ما يخصنا هنا، مجلس الأمن، قد أنشأ لخدمة مصالح الدول الكبري ومن يسير في فلكها. معظم من شارك من الدول الصغرى في تأسسية شارك كمكمل عدد. فلم يكن بمقدور هذه الدول رغم كثرتها من التأثير في بنداً واحد من مواثيق مختلف المنظمات العالمية. رغم ذلك وحتى نهاية الحرب الباردة كان هنالك نوع من التوازن فى العلاقات الدولية يخدم حيناً بعض من المصالح الصغري. توازن، كما يعلم الجميع، قائم على التكتلات الدولية والإقليمية وسياسية الرعب النووي المتبادل.
رغم الفجوة الهائلة التي حدثت فى المجتمع الدولي منذ ذلك الحين، فما زال حال مجلس الآمن حتى اللحظة كما هو علية منذ تأسيسه. ما يبدو من تطور في اساليب مجلس الأمن ليس سوي إنجازات شكلية، لا تفيد الدول الصغري في شيء. بالتحديد لا تفيد دول العالم الثالث بشكل عام والعالم العربي، زبونة الأول، بشكل خاص. هنالك خمس دول يملكون حق النقض، ما يعني عملياً تجميد كافة القرارات التي تقدم امامة إن لم تكن هذه تخدم أحداً منهم. لا شك بأن الولايات المتحدة، المستبدة سياسياً بمجلس الأمن، هي أكثر الدول استخداماً لهذا الحق الباطل. لكن لا نكذب ولا نخدع انفسنا، باقي الدول لن تتأني ولو للحظة في استخدام هذا الحق أن كان أي قرار مقدم يعارض مصالحها أو مصالح حلفائها.
حتماً الولايات المتحدة فعلت كل ما فعلت بكافة القرارات المقدمة من قبل الدول العربية لأنها تعي أن السلام فى الشرق الأوسط لا يفيد مصالحها ومصالح من يدور بفلكها. تعلم بأن أي عالم عربي مستقر يعني نوع من الاستقلالية والبعد عن التجاذبات الدولية وأحداث نوع من التطور السياسي والاقتصادي. تفعل ذلك لأنها على دراية كذلك بأن فور استخدام حق النقض فقط سوف يأتي من يعلن رفضه وغضبة على سلوكها السياسي الوقح ليس سوي. وبعدها تعود الأمور إلى نصابها كما وكأن شيء لم يحدث. كم مرة فعلت نفس الشيء فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، ما يعادل 73 مرة. وماذا حل بها. لا شيء. ومن هي الحكومات العربية، ضمن أو خارج إطار المنظمات الإقليمية، أخذت قرار جازم يفرض على الولايات المتحدة إعادة حساباتها. لا أحد.
القرارات الأمريكية في مجلس الآمن فقط تزيد لوقت معين من وتيرة السخط العربي العام عليها. فقط الوتيرة ليس سوي. ويمكن أن يكون لها تأثير فقط بين المجموعات الأكثر تطرفاً. والتى فى العادة تستغل مثل هذا الحدث لضرب، قدر الامكان وحين تسنح الفرصة، المصالح الأمريكية. لكن مثل ذلك لا ولن يغير من موقفها في شيء، ذلك لأنها تدرك أن الكم الأكبر من القوي العربية الفاعلة، ونقصد هنا الرسمية، سوف تنصاع لها عاجلاً أم أجلاً. الكل يعلم بأن حين تغيب الإرادة والعزيمة الرسمية، وبالتالي المدنية، فأن كل شيء فى عالم السياسة، خاصة في منطقتنا، جائز، بما في ذلك الوقاحة السياسية في أبشع اشكالها.
في ملعب مجلس الأمن دوماً اسرائيل العدوانية هي الرابح، وذلك لأنها على يقين بأن الصوت الأمريكي يقف بالمرصاد لأي تحرك عربي أو فلسطيني. في ظل غياب ردة فعل موازية في ساحات أخري، فأن إسرائيل تعي أنها محمية دولياً. من طرفها، الولايات المتحدة، تعي كذلك انها بعيدة كل البعد عن الارهاصات التي تخلقها سياستها فى المنطقة. سراً وعلانية تعلم أن معظم الحكومات العربية القائمة هي حليفة خاضعة، وأن من تعرفه عنها ومنها في السر والعلانية، يجعلها لا تخشي شيء. فقط أن حدث تحول جذري من هذه المستويات فأن الأمور حتماً سوف تنقلب رأساً على عقب. القضية هنا أن قرار عزيمة رسمي غائب أو ما زالت يتجول بعالم الخيال ولم ينزل بعد إلى عالم الواقع.
المشكلة، وهذا ما يؤلم فعلاً، هو أن السلطة الفلسطينية كذلك تعلم سخافة مجلس الأمن وعدم فائدة التوجه له. مع ذلك تراها دوماً تمارس "لعبة الأمم القذرة”. تنجر وتحتال على نفسها وعلى الشعب الغير مقتنع بسلوكها حين تعتقد أن الحل فى مجلس الأمن حيناً والمفاوضات المرعية امريكياً حيناً أخر. ماذا تراها فاعلة الآن وبعد ما حصل من رفض لقرار انهاء الاحتلال. هل ستعلن فشلها وتستقيل، وتريح بذلك ضميرها وضمير شعبها، أم ستستمر وتتوجه الآن إلى الجمعية العامة، كالعادة، لكي تحصل على الغالبية المحسومة مسبقاً. إن لعبة أطاله عمر من يتبوءون المناصب العليا.
هنالك انطباع فلسطيني عام بأن السلطة تمارس مهنة التضليل والكذب. وهو انطباع في محله ويخدم حتماً المصالح الإسرائيلية والأمريكية. مثل ذلك جريمة بحق الشعب والقضية الفلسطينية. الكل يعي بأن أكثر ما تخشاه إسرائيل والولايات المتحدة هو أن تأخذ القيادات الفلسطينية قرارات فاصلة تقلب الطاولة كلياً. بما فيها طاولة المفاوضات القائمة فقط من أجل تبرير وجودها والتي على اساسها تمرر اسرائيل والولايات المتحدة سياستها في الشرق الأوسط وما حوله. الظاهر هو أن السلطة الحالية تنقصها الشجاعة الوطنية وتخيف كثير من قياديها ضياع المزايا أكثر من ضياع القضية. انها مشكلة مزايا المال والمنصب الذي يعاني منها أهل السياسية والذي نخرت وهششت في نفوس ما كانوا يدعون أنفسهم أرباب الثورة…. أم كانون يقصدون الثروة.
الولايات المتحدة وإسرائيل يستغلون السلطة القائمة. وهي للأسف على دراية بذلك. مع ذلك تراها مستمرة في العمي المتعمد. وهذه هي مأساتنا الكبري. هذه السلطة تعلم أن مجلس الأمن أكذوبة وحلقة فارغة لن ولم تجدي يوماً، وأن اسرائيل عدوانية وأن الولايات المتحدة وقحة سياسياً ولأقصي الحدود. مع ذلك يناورون معها كما يناور الفهلوي مع الثعالب. بل هي وباقي الحكومات العربية مازالوا وسوف يبقون يحلمون المكوث أكثر وقت ممكن بين أحضانهم. أنه غرام عجيب وغريب. يتلذذ فيه جانب ذولاً والآخر تعسفاً.
منذ الزمن ونتيجة عدم حدوث تغيرات هيكلية جذرية فى النواة الصلبة للأمم المتحدة فأن هذا المجلس تحول لمجرد ساحة عرض عضلات صوتية للدول الكبري ومنبر نياح وبكاء للدول الصغري. وخاصة العربية. الغريب هو أن معظمها على دراية بواقع حال مجلس الآمن ومع ذلك متمسكون به. كيف لا يعرفون ذلك ودوماً حاولوا وفشلوا فى تمرير أي قرار فاصل بالنسبة للقضايا الهامة. مع ذلك لم يأخذ أحد بعد العبر. مازالوا مصممين على أهانه أنفسهم سياسياً. يفعلون مثل ما فعل في حينه "دون كيخوتي” في صراعه الخرافي مع طواحين الهواء. فلا هو أوقفها ولا هو غلبها.
لقد حان الوقت لكي تتوقف الدول العربية والسلطة الفلسطينية من طرق ابواب مجلس الأمن. لآن خلفه هنالك محتل ومتستر على القتل، لا يهم ولا يزعج أحد منهم أنين الشعوب الكادحة. الاستمرار في التسول بين دهاليز الأمم يا سادة يهبط المعنويات ويمنع البحث عن حلول بديلة قيمة. الرجاء كفاية أهانه بالوعي والحس الوطني. كفاية مناورات فارغة في مجلس اللآمن. مناورات لا تحل ولا تربط. علينا أن تقيم استراتجيتنا ولو لمرة واحدة، ولو للحظة واحده. لنحاول العودة بكرامة لأنفسنا ولنعمل على خلق استراتيجية تسمح بهامش افضل من المناورة. أننا على يقين بأن الشعوب العربية عامة، وأهل غزه ضربوا مثل في ذلك، مستعدة للتضحية بالكثير من أجل كرامتها. فقط تنتظر قيادات مستعدة أن تقودها نحوا هذا المسار.
التشبث بنفس الأسلوب، مجلس أمن ثم مفاوضات ثم منظمات دولية ثم مفاوضات، يتماشى مع الرغبات الأمريكية واليهودية. لنتوقف عن اللهث خلف هذا الأسلوب الفاشل والمرفوض. علينا أن نتجاوز كافة المنظمات الدولية وأن لا نعير القانون الدولي أهمية زائدة. حتى منظمة الجنائيات الدولية لن تأتي بفائدة لآن هنالك وضعية تسمح للولايات المتحدة، وبالتالي لإسرائيل، التهرب من قراراتها. القانون الدولي فقط يطبق على الضعفاء من الدول. كيف لنا نحن، الذي الأمم المتحدة بدولة الظالمة خلق لنا المشكلة نعود إليها لتقدم لنا الحلول. انه اعتقاد غير مجدي ويمثل قمة السخافة والهراء. أن كان علينا الآن التوجه فهو إلى ذاتنا. علينا أن نعيد حساباتنا ونصوغ أولوياتنا الوطنية والإقليمية قبل وبعد كل شيء. مثل ذلك يجمعنا، وما غير ذلك، من منظمات دولية واهية ومفاوضات كاذبة، يفرقنا سياسياً، يشتت فكرناً ذهنياً ويحدث خلل في عزيمتنا وكرامتنا الإنسانيةً.