ممنوع النشر!
في العام 2014، تعددت القرارات الرسمية التي تمنع النشر بشأن بعض القضايا التي تهم الرأي العام. القضايا متباينة؛ تتراوح بين قضية جنائية، مثل تلك الخاصة بعائلة العويوي التي توفيت فيها الأم وطفلها، وبين قضايا أكثر خطورة، أهمها أخذ الطيار معاذ الكساسبة رهينة من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي.
هدف قرارات المنع، في الغالب، هو الحفاظ على سرية التحقيق، وعدم إيقاع الضرر بأطراف القضية؛ إذ يذهب التقدير هنا إلى أن منع المعلومة أفضل من السماح بتداولها من قبل الجميع.
بيد أن السؤال المهم: هل تساهم مثل هذه القرارات في خلق إعلام مسؤول، قادر على تقييم الموقف القائم، بحسب المعطيات والمحاذير الممكنة، مع السعي إلى تقليل مستوى الضرر الممكن وقوعه؟ وهل يسهم مثل هذا التوجه في منع وصول المعلومات للأردنيين، في ظل ثورة المعلومات والانتشار الواسع للإنترنت؟ وكم يساعد منع النشر في توسيع دائرة تداول وتناول الممنوع، لكن من مصادر خاطئة، لا تأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع الأردني في مثل هذه الحالات؟
في قضية العويوي، لم يؤدِ قرار منع النشر إلى إيقاف تداول كل المعلومات من قبل وسائل إعلام إلكترونية، كما على مواقع التواصل الاجتماعي، بل غابت خلال تلك الفترة المعلومة الحقيقية، التي تبيّن فعلا طبيعة ما جرى.
وفي حالة الطيار معاذ، والذي تعد قضيته هي الأهم أردنيا في الوقت الحالي، لم تبقَ مادة صحفية، خبرية أو تحليلية، صحيحة أو منطقية أو واضحة التلفيق، إلا وقرأها الأردنيون وتناقلوها على صفحاتهم وعلقوا عليها، رغم كل ما في كثير منها من سموم وضرر كبير.
قرارات منع النشر كانت صالحة للتنفيذ إلى ما قبل ثورة المعلومات. لكنها اليوم تؤدي هدفا واحدا، هو إضعاف الإعلام الوطني المهني، القادر على توصيل رسالة إعلامية تخدم مصالح البلد وتحميها، بارتكازها إلى معايير مهنية تقدر حساسية كل قضية تبعا لمعطياتها.
في "الغد"، ومنذ اللحظة الأولى لخسارة الدركي الأردني العريف علي محمد زريقات في البحرين، كان القرار بعدم نشر صورته وهو مصاب، رغم توفرها منذ وقت مبكر. إذ لم يكن السبق الصحفي هو الهدف، بل الحفاظ على مشاعر الأردنيين بعامة، وعائلته بشكل خاص.
وفي قضية العويوي ساهم قرار منع النشر في الإساءة إلى أهل الضحايا، إذ أدى، ولشديد الأسف، إلى تداول كثير من الإشاعات التي أضرت بالأسرة المكلومة.
وفي حالة الطيار الكساسبة أيضا، استخدمت "الغد"، ومنذ لحظة إعلان الخبر السيئ الصادم، صورته الخاصة التي كان ينشرها على صفحته في مواقع "فيسبوك" و"تويتر" و"انستغرام" وغيرها. والهدف هو عدم الانجرار إلى أهداف الأجندة الإعلامية للتنظيم الإرهابي، بنشر صور بعينها.
بالتأكيد، الغاية من قرارات منع النشر نبيلة ووطنية، لكن السؤال: هل تحقق الغاية المرجوة منها، أم أنها تخلق فقط صورة سلبية عن الإعلام الأردني الذي تراجع تصنيفه عالمياً خلال العام الماضي والذي سبقه، لأكثر من سبب؟ فقرار منع النشر يضر بحرية التعبير المسؤول، فيما تنتفع منه وسائل إعلام محلية وأجنبية، لا يهمها الأردن وصورته، وغير معنية بتحقيق الأهداف الوطنية من اتخاذ مثل هذا القرار.
الارتقاء بالإعلام ورفع سويته لا يتأتيان من خلال قرارات منع النشر، بل عبر معالجة التشوهات التي تخلق القصور الإعلامي، إضافة إلى تطبيق القانون على المخالفين، في حال مارست أي مؤسسة تجاوزات لا يمكن السكوت عنها.
وإذ لم يعد منطقياً حجب المعلومات، فإن البديل يتمثل في إيجاد ماكينة إعلامية قوية ومؤثرة، تستجيب بشكل بنّاء للتدفق الكبير للمعلومات، الضار منها والنافع، فالحل بالتأكيد، ومرة أخرى، ليس في منع النشر.