مقاطعة الجلسات أم القطيعة مع العمل النيابي ؟
في كل مرة يحاول النواب انقاذ ما بقي من شعبيتهم يقعون في مأزق يُطيح بهذه الشعبية من جديد، فما زال النواب يلجأون الى خطوات مشكوك في دستوريتها وغير منتجة سياسيا لاستعادة تلك الشعبية واخرها التلويح بمقاطعة جلسات المجلس اذا ما استمرت الحكومة بقرارها رفع اسعار الكهرباء رغم انخفاض اسعار النفط، وهو قرار يحتاج الى مراجعة وفقا لمعطيات الموجودة – قرار رفع اسعار الكهرباء - .
خطوة النواب، حرد سياسي في جوهرها وتفتقر الى ابسط قواعد العمل النيابي في الرقابة والمحاسبة، فثمة ادوات دستورية لمحاسبة الحكومة وبسط رقابة المجلس وهيبته على عملها منها جلسات المحاسبة وسحب الثقة من وزير او من الحكومة بمجملها اما المقاطعة فهي سلوك يعبر عن وعي سياسي خفيف بأدوات الرقابة والمحاسبة، ويزيد من الهوة بين الناخب والنواب خاصة ان الخطوة مسبوقة بإقرار قانون الضريبة الذي كشف عن ضعف الهيبة البرلمانية وليس الهيبة النيابية فقط .
الحرد والمقاطعة مفردتان غير صالحتان للاستعمال في الحياة السياسية الداخلية، فنحن لسنا في مواجهة مع عدو او جار بل في مواجهة حكومة حازت على ثقة النواب وهي ثقة ليست مسجلّة بقوشان في دائرة الطابو بل في جلسة تحت قبة البرلمان ويمكن سحبها في جلسة ايضا، بعد ان تتم محاسبة الحكومة بالارقام على قرارها، فالنفط هبط بمقدار النصف تقريبا بالنسبة لتشغيل محطات الكهرباء بالديزل والغاز هبط سعره بنسبة 30% ايضا، فلماذا الرفع علما بأن اسعار الكهرباء ارتفعت في 1-1-2014 كما تقول فاتورة الكهرباء الموزعة على المنازل وباقي المستهلكين .
سلوك النواب في حالتي الرضا على الحكومة او الغضب منها، لا يحملان منهجا برلمانيا وسلوكا رقابيا اصيلا في بلد تعرف الانتخابات منذ بواكير تأسيسها، وفي كل مرة نأمل فيها ان يتم تأصيل العمل البرلماني يصدمنا البرلمان بسلوكه الاقرب الى العبث السياسي منه الى سلوك البرلمانات الراسخة ويصدمنا اكثر سلوك النواب الذين باتوا خبرة برلمانية لتكرار وجودهم تحت القبة بإنحيازهم الى مسلكيات اقرب الى العبث الادائي .
فقد رأينا سابقا سلوك تهريب النصاب العبثي وافشال جلسات الرقابة على الحكومة او مناقشة القوانين المؤثرة على الحياة الاقتصادية وحزمة الامان الاجتماعي اما بحثا عن شعبية غير موجودة او ركضا وراء مصلحة انتخابية صغيرة، مثل: توفير وظيفة لمفتاح انتخابي او تحقيق منفعة ذاتية سواء للنائب او لدائرته الانتخابية، وهذا رسخ الاحباط الشعبي من البرلمان واسهم في تراجع الثقة بالبرلمان وكل ذلك تم بأيدي النواب انفسهم .
نعرف ان قانون الانتخاب الحالي لن يسهم في تأصيبل العمل البرلماني والسياسي، ولن يُنتج نوابا على مستوى الوطن، لكن المجلس مطلوب الوجود لتغيير الحال واعادة النظر في التشريعات المجهضة للتقدم على كل المستويات وهذا سرّ التمسك بوجوده حتى اللحظة، وبدل المقاطعة التي تعني استحالة التوافق البرلماني الداخلي فالاجدى ان يسارع الراغبون بالمقاطعة الى الدفع بقانون انتخاب جديد ومناقشته ضمن اجندة وطنية خالصة ومن ثم الدعوة الى مبادرة للتصويت على حل المجلس ذاتيا .
هذه خطوة منتجة سياسيا وستحظى بدعم الشارع السياسي والناخبين، وسيسجل التاريخ السياسي هذه الخطوة بإيجابية لكل النواب الذين قاموا بهذا العمل لانه الخطوة الوحيدة القادرة على تغيير موازين العمل السياسي لصالح الدستور وبنوده المقبولة من كل اطياف الشعب الاردني، اما سلوك الحرد الذي ينتهي عادة بجاهة برلمانية تطوي الصفحة ويعود الحردانون الى منازلهم النيابية .
المشاركة الفاعلة هي اولى خطوات الاصلاح واولى خطوات العمل البرلماني الراسخ والمؤسسي وليس نظام الحرد والمقاطعة التي ستسهم في خسارة جديدة لحضور المجلس وهيبته لان نهايته محسومة كما اسلفت .