مسؤولية الحكومة عن سوء السياسات


عندما تخالف الحكومة رأي، وتوجهات الاغلبية الشعبية في القرارات السياسية التي تتخدها ، وتمضي قدما باجرات تنفيذها ضاربة عرض الحائط بالمعارضة الشعبية لها فهي حتما ستدفع الثمن في الشارع، ولا تستطيع ان تخلي مسؤوليتها عن تبعات تلك السياسات التي فرضتها على الناس جبرا ، ودون ارادة منهم. 

وكل ما ينجم عن هذه القرارات من مخاطر، او مساس بالارواح، او كلف اقتصادية لا قبل للطبقة الفقيرة بها، او تهريب للاستثمار، او تحطيم للروح المعنوية العامة فهذه تتحملها جميعا الحكومة، ولا مهرب لها منها، وتصبح مدانة شعبيا، وفاقدة للثقة الجماهيرية ، ولن تستطيع ان تتغطى بالحملات الاعلامية التي تطالب الناس بالصمت، والقبول بالسلبيات الناجمة عن سوء السياسات، وعدم الخروج عليها بدعوى المصلحة الوطنية، وعدم شق الصف الوطني. 

وهي محاولات بائسة سرعان ما ان سينكشف زيفها اذ سيميل الرأي العام الى تحميل الحكومة نتائج كافة السلبيات الناجمة عن تراجع عملية الحكم خاصة وانها هي التي لم تسع اصلا لتوسيع قاعدة الرضى الشعبي لقراراتها ، وانما انفردت بها في ظل تواصل حالة الرفض الشعبي لها.

ومثل هذه الحكومات لا تصمد طويلا في الدول الديموقراطية اذ يصار الى تحميل السياسيين نتائج اية عيوب تظهر في السياسات المقرة بطريقة توافقية ، وقد جاءت لتحقيق مصلحة المجتمع، حيث تتحمل جهة الحكم المسؤولية الكاملة عنها في حال فشلها.
وكلنا رأينا كيف ان الفعاليات الشعبية والاعلامية في الدول الغربية كانت تتولى المطالبة بانسحاب قواتها من الحروب التي تشن هنا وهناك وفقا للرغبة الامريكية، وبعض المظاهرات الداعية لوقف الحرب كانت تظهر احيانا في امريكا نفسها رغم انها شنت في المفهوم الامريكي على خلفية تهديد الامن الوطني الامريكي، ووقوع التفجيرات التي طالت ارواح امريكيين في الداخل. 

ودرجت العادة على ان يضطر الجيش الامريكي للانسحاب من جبهات القتال تحت سورة الغضب الشعبي، ويضطر لاخلاء ساحات القتال وفقا للتوجهات الشعبية، ولم يحدث ان شنت حملات التشكيك بالوطنية على المخالفين لمشاركة بلدهم في مثل هذه الحروب الدائرة خارج نطاق الوطن، وهذا لا يحدث سوى في الدول البائسة في مجال الفهم الديموقراطي، فالسياسات اصلا تقر لتحقيق الصالح العام، وعند مخالفتها من قبل الاغلبية الشعبية تصبح جهة الحكم فاقدة للشرعية الشعبية ، وانما تصبح تمثل توجهات الاقلية ، ولذلك تسارع الحكومات الى الاستقالة، وفي الاردن سبق وان تخلت عدة حكومات عن المشاركة في الاحلاف العسكرية الغربية تحت طائلة اندلاع الغضب الشعبي، وعادت عن قرارها .

ومعارضة الحرب الدائرة في المنطقة على ما يسمى بداعش لا تستدعي التشكيك بوطنية من يعارضها من الاردنيين، وعلى الحكومة التي اصرت عليها ان تتحمل مسؤولياتها الكاملة، وكافة التبعات الناجمة عنها ستحاسب عليها امام الرأي العام الاردني، وحملات الاتهام والتشكيك بوطنية المعارضين لها هي حملات بائسة تتناقض مع ابسط متطلبات الفهم الديموقراطي فمن عارضها من الاردنيين كان يدفعه وازع الخوف على اراوح ابنائنا الجنود الذين يزجون في مهام قتالية لا تخدم المصلحة الوطنية الاردنية، وطالبوا بعدم نقل مهام قواتنا المسلحة خارج حدود الوطن كي لا تخدم توجهات قوى عالمية واقليمية تريد توظيفنا في حروبها، ومشاريعها الرامية الى تقسيم المنطقة، وان الابقاء على اهداف حماية حدود الدولة الاردنية بالقوة الحازمة هي امانة في عنق جيشنا العظيم، والاصل هو تجييش الشعب للدفاع عن بلده ازاء اية محاولة اثمة لاختراق الحدود الوطنية. وهي غيرة وطنية تتوافق مع توجهات الاغلبية الشعبية التي عارضت الحرب، وافصحت عنها استطلاعات الرأي ، وعلى المشككين بوطنية الاردنيين ان يتوقفوا عن مساعي فرض التوجهات الحكومية المخالفة لتوجهات الشارع الوطني بمحاولات بث الرعب الفكري، والتخوين ، والحاق تهم عرفية بمن يدلي برأيه، والاولى من كل ذلك ان تصوب الحكومة سياساتها على ضوء الرؤية الشعبية والنتائج، وان تتراجع عن الخطأ قبل ان تغوص فيه من اسفل قدميها الى قمة رأسها.