هــل ستنجــح روسيــا فـي إنقــاذ سوريــة مـن الفــخ؟
أخطــاء موسكــو الكارثيــة
عندما صدر بيان مؤتمر "جنيف 1″ في إطار مجموعة العمل الدولي حول سورية في 30 يونيو /حزيران عام 2012، بموافقة كامل أعضاء مجلس الأمن بمن فيهم روسيا، كانت قد وضعت اللبنة الأساسية لما يعرف في القانون الدولي بـ”شرعية الثورة” السورية.
وحين قبلت سورية بحضور مؤتمر "جنيف 2″ بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2014، كانت قد سقطت في الفخ، لأنها من حيث لم تكن تريد قبلت بمرجعية بيان "جنيف 1″ على مضض بضغط من روسية تحديدا، التي ما كان لها أن ترفض البيان المذكور بعد أن شاركت في صياغته وإقراره ضمن أعضاء مجلس الأمن في مجموعة العمل الدولي حول سورية.
وعندما أجرت سورية إنتخابات رئاسية مطلع شهر حزيران/ يونيو 2014 وفاز فيها الرئيس الأسد بأغلبية ساحقة (88.7%) كان الوقت فد فات من وجهة نظر ما يسمى بـ”المجتمع الدولي” لتكريس "شرعية دستورية” من خارج إطار مؤتمر "جنيف 1″ المعتمد من قبل مجلس الأمن بموافقة روسية، فاعتبر هذا الإستحقاق تعبير من فئة دون أخرى من المجتمع السوري، وظلت أمريكا وحلفائها متمسكون بمقولة أن الأسد فقد شرعيته ولا مكان له في سورية المستقبل التي يريدون أن يصنعوها على مقاس أوهامهم.
وللتاريخ، يسجل لإيران في هذا الصدد، رفضها المطلق دعوة المشاركة في مؤتمر "جنيف 2″ التي وجهها لها الأمين العام للأمم المتحدة بعد أن إشترطت الولايات المتحدة قبولها ببيان "جنيف 1″ إذا أرادت أن تكون ضمن المشاركين، وبالمناسبة، حذرت طهران دمشق من الفخ الذي نصب لها في حال قبلت بالمشاركة في "جنيف 2″.. فكان أن حضرت سورية و وافقت على أن يكون البيان المشؤوم الصادر عن المؤتمر الأول هو مرجعية المؤتمر الثاني، وبذلك، إعترفت دمشق ضمنيا بـ”الشرعية الثورية” التي كانت ترفضها وتقول أنها تواجه الإرهاب لا المعارضة المسلحة ضد النظام.
وحين ساءت العلاقات بين موسكو و واشنطن على خلفية أزمة أوكرانيا، تبين أن إيران كانت على حق وروسيا على خطأ.. ولإيران تجارب سابقة مع روسيا، خصوصا وأن الأخيرة سبق لها وأن صادقت على قرار العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن، برغم علمها أن النووي الإيراني هو لأهداف سلمية ما دامت روسيا هي من مد إيران بالتكنولوجيا وساعدها على إقامة مفاعلاتها وتعلم علم اليقين أن برنامجها سلمي لا عسكري، كما وفي إطار نفس العقوبات رفضت تسليمها منظومة صواريخ (إس 300) التي تعاقدت بشأنها معها ودفعت طهران ثمنها مسبقا لموسكو، هذا علما أن أن المنظومة المذكورة ليست هجومية بل دفاعية ولا تشملها العقوبات.
ويشار أيضا إلى أن موسكو لم تكن تتحدث عن الرئيس الأسد في تعاطيها مع الأزمة السورية، بل عن تركيبة النظام "الشرعي” بالعودة لقرار الشعب في ظل إحترام سيادة الدول ومقتضيات القانون الدولي، دون شخصنة للصراع من منطلق توازنات المصالح ومعادلات القوة في المنطقة، وهو ما فهم منه بأن روسيا غير متمسكة بالرئيس الأسد بقدر ما يهمها النظام الذي يحرص على مصالح الجميع ولا يقصيها كلاعب دولي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الفهم أدى بأمريكا والغرب وأدواتهم في المنطقة إلى إعتماد سياسة شخصنة الأزمة ووضعها تحت عنوان "رحيل الأسد”، كشرط للحل في سورية، ولا مانع من أن يتولى الرئاسة شخص آخر من الطائفة العلوية الكريمة، ما دامت السلطة سيتم إقتسامها بين كل مكونات الحكم الجيدي في سورية.
إستفاقــة موسكــو بعــد أن فــات الأوان
اليوم يبدو أن روسيا أدركت فداحة أخطائها مع من أصبحوا حلفائها الإستراتيجيين (إيران وسورية)، وأن منطق المصلحة والأسلوب الذي كانت تعتمده للتقارب مع الأمريكي من منطلق أن المصالح التي تجمعها بواشنطن على إمتداد جغرافية العالم هي أكبر وأهم من تلك التي تجمعها بسورية أو إيران كما كان يقول منظروها، وخسرت كل رهاناتها حين إعتقدت أن مجارات الأمريكي ستجعل هذا الأخير يقبل بها كشريك في إدارة الأزمات وإقتسام الفوائد، و وصلت إلى قناعة حاسمة قاطعة نهائية تقول، أن أمريكا تخادع في السياسة وتتعامل مع الحلفاء والأصدقاء بخبث وإزدراء وإنتهازية وإستعلاء، ويستحيل أن تقبل بشريك لها في إدارة شؤون العالم، وأنها لا تحترم إلا الأقوياء الذين يستطيعون الإضرار بمصالحها وأمنها القومي وفرض معادلاتهم في التوازنات السياسية القائمة.. لكن الوقت كان قد فات لإصلاح ما خربته بالسياسة في سورية وإيران.
ومن مفارقات التاريخ أن إيران كما سورية تجاوزوا أخطاء الماضي ولم يتعاملوا مع موسكو بذات منطق المصالح، خصوصا في ما له علاقة بالطاقة، فإيران كان بإمكانها عقد صفقة مع الولايات المتحدة تستطيع بموجبها تطوير برنامجها النووي كما تشاء، وتحصل على سوق الغاز الأوروبي، وعلى إستثمارات ضخمة غربية وعربية في كل المجالات، ويعترف بها كقوة إقليمية عظمى كما كان الحال زمن الشاه أو أحسن، ما سيضر كثيرا بإقتصاد روسيا ومصالح روسيا والأمن القومي الروسي.. لكنها لم تفعل ولن تفعل، لأنها تغلب منطق الأخلاق على منطق المصالح، برغم إختلاف الرؤية بين الليبراليين والمحافظين في طهران، والذي أدى إلى تنازل إدارة الرئيس روحاني عن المالكي في العراق، الأمر الذي تتوجس منه دمشق ولا تثق إلا في الإمام علي خامنئي وفي الحرس الجمهوري، وقد غير الجنرال قاسم سليماني هذا التوجه فعاد العراق بكامله، أكراده وشيعته وسنته إلى أحضان إيران، فصعقت أمريكا وثارت ثائرة السعودية..
كما وأن سورية كان بإمكانها حل مشاكلها مع أمريكا والقبول بالتخلي عن نهج المقاومة والإبتعاد عن إيران والقطع مع حزب الله وفصائل المقاومة في فلسطين، وتنخرط في المنظومة العربية الخليجية فينتهي الإشكال وتحل كل أزماتها، وتتدفق الإستثمارات الضخمة وخطوط أنابيب النفط والغاز من السعودية وقطر، وتتحول إلى شريك إستراتيجي لتركيا، ويعود الجولان، ويحكم الرئيس الأسد سورية إلى أن يحين موعد رحيله عن الدنيا دون معارضة ولا من يحزنون.. لكن سورية لم تفعل ولن تفعل مهما قدموا لها من إغراءات، لأنها تدافع عن قيم و ثوابت ومبادىء لا عن مصالح فحسب، وأن المصالح التي ستجنيها بإنتصارها مع المحافظة على سيادتها وإستقلال قرارها أكبر بكثير مما ستحصل عليه مقابل التحول إلى وكيل تجاري للغرب على غرار بقية الأنظمة العربية.
الحل السياسي بين الشرعية الدستورية و الشرعية الثورية
من هنا نفهم سر اللعبة الدولية الدائرة في سورية من مدخل الحل السياسي تحت ضغط الإرهاب، لأنه في الوقت الذي تتمسك فيه دمشق بمقاربة الحل السياسي من مدخل "الشرعية الدستورية” التي ينص عليها القانون الدولي، وتعطي للنظام الشرعي القائم بحكم الإستفتاء على الدستور والإنتخابات الرئاسية الأخيرة مشروعية ممارسة السلطة بالوكالة عن الشعب السوري، والتفاوض مع المعارضة في إطار داخلي دون تدخل أجنبي، تطرح فيه الإدارة الأمريكية وحلفائها وأدواتها حلا سياسيا يكون متوافق عليه من قبل النظام والمعارضة، لكن بمباركة القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، إنطلاقا من بيان "جنيف 1″، وإستنادا إلى "الشرعية الثورية” التي إعترف بها المجتمع الدولي وقبلت بها سورية في مؤتمر "جنيف 2″ حين وافقت على الجلوس مع المعارضة لمناقشة الخطوط العامة للبيان، والمتمثلة في وجوب تأسيس هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة الممثلة لجميع أطياف المجتمع السوري لمراجعة الدستور، والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ومفتوحة أمام الأحزاب كافة، وفتح حوار حول القضايا الخلافية..
لإنه إذا كانت "الشرعية الدستورية” التي تتمسك بها دمشق اليوم تعني إلتزام كل من الحاكم والمحكومين بإحترام مقتضيات الدستور الذي هو عقد إجتماعي ينظم العلاقة بين الطرفين، بإعتبار أن الشرعية هي سيادة القانون الأسمى للأمة المنظم لعمل مؤسسات الدولة وفق مبدأ الفصل بين السلطات، الضامن للحقوق والحريات العامة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية سواء للأفراد أو الجماعات، والمحدد لقيم وثوابت وتطلعات الشعب وتوجهات سياسة الدولة الخارجية.. فإن "الشرعية الثورية” تكتسب من قبل "المعارضة” حين تتحول السلطة عن النهج الديمقراطي وتخالف النصوص الدستورية والتشريعية المتضمنة في القانون الدولي الإنساني الذي يسمو على القوانين الوطنية، ما يعطي للشعب الحق في الخروج على النظام والمطالبة بإسقاطه بالثورة السلمية أو المسلحة إن إقتضى الأمر..
هذه هي خيوط اللعبة وسر عقدها كما هي قائمة اليوم في سورية، ونحن هنا لا نتحدث عن صحة أو زيف إدعاء "الشرعية الثورة” التي صبغها "المجتمع الدولي” على مجموعة من الخونة والعملاء من معارضة الفنادق فإعتبرها المعارضة الوحيدة الممثلة للشعب السوري بشكل حصري.. هذا لا يهم، لأن أحدا لا يستطيع إثبات أن من يقاتل على الأرض هو الإرهاب فقط، وهنا لب المشكلة، وليس غريبا والحال هذه أن يخرج الرئيس أوباما بداية هذا الأسبوع للقول أن هناك "توازن إستراتيجي” في ميادين القتال بين الجيش العربي السوري والمعارضة المسلحة.. فمن يستطيع تكذيب أوباما وأمريكا أنفقت الكثير من المال والوقت والجهد على تدريب هذه المعارضة "الثورية” لجلب الحرية والديمقراطية للشعب السوري؟..
كلام أوباما قوبل بإستغراب الكثيرين، في حين أن الرسالة التي كان يرد إيصالها لروسيا تحديدا بسبب دخولها المفاجأ على خط التسوية السياسية بإستدعاء شخصيات من معارضة الفنادق التي تخلت عنها أمريكا والسعودية وقطر للحوار مع ممثلين عن الحكومة السورية في موسكو، هو أن الإرهاب الذي تتحدثون عنه في سورية نحن من نحاربه، لكن المعارضة السورية المسلحة لا تقاتل تحت مظلة "داعش” إلا بما نسبته 5% من السوريين فقط (وفق تقارير غربية)، فيما أن معظم المقاتلين السوريين ضد النظام هم من يشكلون جبهة النصرة والجيش الحر، وأمريكا لا تقاتل "جبهة النصرة” التي ترعاها قطر و”إسرائيل”، وتستطيع تجييرها إن إقتضى الأمر إلى معارضة معتدلة تحت مظلة "الجيش الحر الجديد” أو أي إسم آخر، ما يجسد "شرعية الثورة” على الأرض.
هذه هي ميكانيزمات اللعبة ولُـبّ الإشكال القائم اليوم في سورية بل وعقدة المنشار أيضا أمام أي حل سياسي يستحيل أن يمر دون موافقة أمريكا وإعتراف "المجتمع الدولي” به، وبالتالي، فسورية اليوم أمام خياران لا ثالث لهما:
الأول، الحسم الميداني وتطهير الأرض من فلول الإرهاب لإسقاط مقولة أمريكا وحلفاءها وأدواتها بـ”شرعية الثورة” السورية الكاذبة، ودحر إدعاء أوباما بحصول "توازن إستراتيجي” على الأرض بين المعارضة والنظام يستحيل معه أن يحسم أي طرف الحرب لصالحه كما يقول.. وهذا هدف يبدو مستحيلا، لأن لعبة الإستنزاف الأمريكية تقتضي تسعير الصراع في سورية بضخ مزيد من الإرهابيين كلما إقترب الجيش العربي السوري من تحقيق نصر إستراتيجي، الأمر الذي يحول الإنتصارات الموضعية التي يحققها إلى حلقة مفرغة بدل أن تشكل تراكمات تؤدي للحسم النهائي، هذا بالرغم من أن الجيش العربي السوري غير من إستراتيجيته مؤخرا وبدل الإشتباكات العبثية مع فلول الإرهابيين، أصبح يركز على إستهداف قيادات القطعان ونصب الكمائن، وهي المقاربة التي أعطت نتائج نوعية أثرت بشكل ملموس على خطط الإرهابيين وأسيادهم.
وها هي أمريكا تعلن أن تدريب المعارضة المسلحة سيبدأ في شهر أذار/مارس 2015 في السعودية والأردن وتركيا، ويوجد اليوم آلاف من المرتزقة المدربين في دول الجوار في إنتظار إستكمال الجيش الجديد الذي سيدخل إلى سورية لمحاربة الإرهاب والنظام معا في حال فشلت طهران في إقناع حليفها بالرحيل على شاكلة ما حصل في العراق، وهو الأمر الذي ترفضه طهران وموسكو أيضا، بعد أن تحول الرئيس الأسد إلى رمز وقائد للمقاومة العربية في المنطقة، ويحضى بدعم شعبي كبير فاق كل التوقعات، خصوصا وأن الرئيس الأسد لا يتعامل مع شعبه بالمنطق الطائفي، ويحترم قيم المواطنة ويحمي الجميع تحت راية الوطن.
الثاني، أن تقبل دمشق يعقد مؤتمر "جنيف 3″ وفق بيان "جنيف 1″ فينتهي الأمر بتسليم السلطة إلى جمرة العملاء ويبنسحب الرئيس السوري من المسرح بأمان كما تقترح واشنطن والسعودية وفق منطق "النزول الآمن”، فتنتهي حفلات القتل والدمار وتسد منافد التجنيد وسواقي التمويل وطرق التسليح عن الإرهابيين ليرحلوا إلى آسيا، وتحديدا الجوار الروسي والصيني لتبدأ من هناك غزوات الجهاد والفتوحات الكبرى.. وهذا أمر لا يمكن تصوره فأحرى إفتراضه.
مــا الـذي يجمـع روسيـا و إيـران بسوريـة؟..
إذا كانت العلاقة القائمة بين سورية وإيران هي علاقة إستراتيجية عميقة مؤسسة على مبدأ مقاومة "إسرائيل” والهيمنة الأمريكية في المنطقة، فإن العلاقة الروسية مع سورية تقوم على هدفان استراتيجيان كبيران: الأول، تحدّي هيمنة الولايات المتحدة على سيادة الدول وخيراتها ومقدراتها بالقوة والتهديد والإبتزاز، وفي هذا تلتقي إستراتيجية موسكو مع إستراتيجية طهران.. أما الثاني، فهو الحرب على الإرهاب والمتطرفين الإسلاميين والتكفيريين أتباع العقيدة الوهابية والإخوانية، وفي هذا أيضا تلتقي الإستراتيجية الروسية مع الإستراتيجية الإيرانية في محاربة الإرهاب حد التكامل والتناغم.. ويبقى الخلاف الوحيد هو في مسألة مقاومة "إسرائيل” الذي لا تعارضه روسيا وتعتبره حقا وشأنا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، لكنها لا تتدخل فيه بشكل مباشر كما هو الحال في الحرب على الإرهاب ومواجهة الهيمنة الأمريكية.
ونظرا لإرتباط الإستراتيجيات بشكل يكاد يكون بنيويا في سياسة موسكو وطهران ودمشق، فكل المؤشرات تؤكد أن التصعيد هو سمة المرحلة المقبلة نظرا للخلافات الشاشعة بين السياسة الأمريكية وسياسة موسكو وطهران ودمشق، ما يعيق أي فرصة لحل توافقي بشأن الملف النووي الإيراني من دون أن تقدم طهران تنازلات مؤلمة تتعارض جملة وتفصيلا مع الإستراتيجيات الآنفة الذكر، وقد هدد بوتين قبل يومين عقب فرض واشنطن لعقوبات جديدة على بلاده، بأن ذلك سيؤثر على سير المفاوضات في الملف النووي الإيراني في والأزمة السورية أيضا، ما يعني أن موسكو أصبحت تتكلم لغة طهران ودمشق، وأصبحت العواصم الثلاثة في خندق واحد في حرب الوجود والمصير، وأن هناك قرارا بالمواجهة، خصوصا بعد إجتماع سورية والعراق وفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في طهران مؤخرا، ما يشير إلى بلورة إستراتيجية جديدة قد تظهر تجلياتها في المرحلة المقبلة في حال فشلت المساعي لتسوية سياسية في سورية..
وقد جاءت المبادرة الإيرانية الجديدة على ضوء معلومات تشير إلى نية أمريكا التصعيد في سورية لإسقاط الرئيس الأسد وتقسيم البلاد، من خلال خطة جديدة تقضي بإلتحاق طيارين من حلف المؤامرة بطائراتهم بحجة الإنشقاق عن دولهم والإنضمام لـ”الدولة الإسلامية”، وتقتضي الخطة الجديدة وفق ما كشفت عنه معلومات إستخاراتية سورية، باستعمال الطيارين المنشقين لقصف قصر المهجرين في دمشق، هذا في الوقت الذي دخلت فيه مجموعة من المرتزقة القوميين الأتراك لقتال الجيش العربي السوري بدعوى إسترجاع اللاذقية التي يقولون أنها منطقة تركمانية يجب أن تعود لتركيا، كما وأن هناك مخطط إنفصال الأكراد في الشمال والذي تحدثنا عنه بتفصير في مقالات سابقة.
الحــراك الروســي والدخــول المصــري المفاجــيء
ما سبق توضيحه أعلاه يفسر بشكل منطقي الهدف من التحرك الروسي الحذر، فمن جهة، تسعى موسكو إلى تصحيح الخطأ الذي أوقعت في فخه دمشق حين ضغطت عليها للقبول بحضور مؤتمر "جنيف 2″، الأمر الذي اعتبر إعترافا ب”الشرعية الثورية” وأصبحت "الشرعية الدستورية” التي يقول بها النظام في دمشق لا محل لها من الإعراب وفق مفهوم القانون الدولي.
لكن يبدو أن موسكو تحاول إنجاز مهمة مستحيلة من خلال السير في حقل ألغام تحرص بكياسة على إجتيازه من دون أن ينفجر فيفشل المسعى وتعود الأمور إلى المربع الأول.. وهذا ما تفطنت له أمريكا فأوعزت لسفيرها للقاء المعارضة في جنيف قبل توجهها إلى القاهرة، وإعطائها تعليمات توجيهية تقوم على رفض الحوار مع ممثلين عن النظام السوري في موسكو بشكل منفرد، على أن يتم ذلك في إطار الأحزاب والتنسيقيات القديمة التي تم بعث الروح فيها بقدرة قادر، فتوجهت إلى القاهرة وخرجت هيئة التنسيق والإتلاف بالورقة المشتركة التي تسرب محتواها للإعلام مؤخرا، والتي لا تعدو أن تكون مطالب تعجيزية بشروط مستحيلة لإفشال الحراك الروسي تحديدا.. وهو الدور الذي تلعبه القاهرة اليوم بإتقان من دون التشاور مع دمشق وموسكو.
وبالتالي، فالحراك الروسي إذا وضعناه في إطاره الصحيح والدقيق وهو محاولة من موسكو لإسقاط ورقة "شرعية الثورة” الزائفة التي تتمسك بها أمريكا وتعرقل بها أي حل سياسي في سورية لا يلبي شروطها.
غير أن ما يدور في رأس الجمل يعرفه الجمال، وبالتالي، فنجاح الحراك الروسي يتوقف على قبول عدد معتبر من الشخصيات المعارضة بشكل فردي بالجلوس إلى طاولة الحوار وبلورة رؤية للحل السياسي تحفظ لهم بعض المواقع والمكاسب بضمانة روسية مقابل التخلي عن الشروط الأمريكية والسعودية والتركية.
غير أن دخول القاهرة المفاجأ على خط الحراك الروسي خلط ألأوراق وبعثرتها بهدف إعادة المبادرة إلى المربع الأول ضمن شرط موافقة دول المنطقة (مصر والسعودية وإيران وتركيا)، والمجتمع الدولي على مفاصل وتفاصيل مبادرة التسوية كي تحضى بالإعتراف من مجلس الأمن فتنتهي معاناة الشعب السوري، وتحفظ الأراضي السورية من التقسيم كما تقول القاهرة، جعل الحراك السوري محكوما بالفشل قبل أن يبدأ.
هذه هي اللعبة بالمختصر المفيد، وها هي القاهرة التي يطبل ويزمر البعض لدورها العروبي القومي، وتاريخ الصداقة بين الشعب المصري والشعب السوري، ووحدة المسار والمصير، والموقف المشترك من الإخوان ومن الحرب على الإرهاب وغيرها من الترهات، تكشف عن وجهها الحقيقي، وتتخذ موقفا فاضحا منحازا للإرادة الأمريكية والتعليمات السعودية من مدخل حقها في لعب دورها القومي العربي، من دون أن يستدعيها أحد للزفة في موسكو.
السيناريــو البديــل في حـال فشـل الحـراك الروســي
أما السيناريو البديل في حال فشل المسعى الروسي، فلن نكشف سرا إذا قلنا ما قاله سماحة السيد حسن نصر الله ذات خطاب عام 2013، من أن ما حضر لسورية والمنطقة خطير وخطير جدا، وأن حرب الإستنزاف بالإرهاب ستستمر لسنوات طويلة لأن من يستثمرون في الإرهاب لا يتألمون ولا يشعرون بأن أمنهم وإستقرارهم في خطر..
وهذا هو سر اللعبة ومفتاح الحل الوحيد الممكن للمعادلة الذي أشار إليها سماحته بشكل ضمني، لكن ما أخر هذا الحل حتى الأن وفق إعتقادي، وما أكدته في أكثر من مقال ومناسبة، هو سقوط فريق السيد حسن روحاني في وهم الحل التفاوضي لملف إيران النووي، ليكتشف اليوم هو وفريقه أن الأمر كان مجرد خديعة لربح الوقت في إتظار الإجهاز على سورة والعراق ولبنان قبل الإجهاز على إيران نفسها،والمناورة الأخيرة التي إعتبرت الأضخم في تاريخ إيران رسالةفي هذا الإتجاه.
لأن إيران تعلم اليوم علم اليقين أن أمريكا لن توقع معها إتفاقا نهائيا إلا إذا قبلت بالتخلي عن ترسانة صواريخها الباليستية من بين شروط تعزيزية أخرى، وهذا هو الثمن المطلوب للإعتراف بها كقوة إقليمية كبيرة، لكن من دون أنياب ولا أظافر، لأن جوهر الصراع في المنطقة عنوانه "إسرائيل” أولا و”إسرائيل” أخيرا..
وبالتالي لا حل إلا إذا لم تألمت "إسرائيل” وأصبحت مصالح أمريكا في مهب الريح، عند هذا المستوى فقط ستهرع أمريكا للتفاوض مع موسكو حول حل يحافظ على مصالح الجميع والتوازنات القائمة في المنطقة، وهذا ما عناه الرئيس بوتين بقوله أن العقوبات الأمريكية الأخيرة ستؤثر على المفاوضات في الملف النووي والحل السوري.. في حين تراهن السعودية و”إسرائيل” على الوقت ليرحل أوباما ويتولى ملف الشرق الأوسط الحزب الجمهوري الذي تقول التقديرات أنه سينحى منحى "بوش الصغير”..
وعلى من يقولون أن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن هدف إسقاط النظام في سورية أن يراجعوا قراءتهم للمعطيات على ضوء تطورات الأحداث إنطلاقا من الثوابت الأمريكية والإسرائيلية والسعودية.. لأن بقاء الرئيس الأسد يعني فشل أمريكا ونهاية آل سعود ومشيخات الخليج وسقوط حكم السلطان أردوغان في مزبلة التاريخ..
هذا ما فهمته الكويت حين قررت فتح خط تواصل مع دمشق عبر قنصلية لا سفارة، لأن إستئناف الأعمال القنصلية السورية في الكويت لا يعني عودة العلاقات الديبلوماسية، لكنها خطوة ذكية في الإتجاه الصحيح ورهان في محله حول مستقبل لا يبدو في صالح محور المؤامرة.