مفارقات مع السفراء
كل عام وشعبنا وملكنا بخير
1 – طلبت من ياني سكرتيرتي أن تحدد لي موعدا لزيارة مجاملة لعدد من السفراء في جاكرتا التي وصلتها حديثا، السفراء العرب وسفراء الصين وأميركا وهولندا والهند وباكستان وبريطانيا وكوريا واليابان وسنغافورة وتركيا واليونان بواقع سفيرين او ثلاثة سفراء يوميا.
في الطريق الى السفارة الهندية تخيلت ان السفير ذو شارب يلتف حول أذنيه وانه يلبس طربوش السيخ وان في حديقة السفارة عددا من الابقار وان في مكتبه مجموعة من افاعي الكوبرا الاليفة!
استقبلني شاب دائم الابتسام تفوح رائحة الكاري من كلماته وقادني الى مكتب السفير، حيث كانت في استقبالي سيدة جميلة في أوائل الخمسينيات تلبس الساري الهندي المزركش، لعلها سكرتيرة السفير او مساعدته، أجلستني في مكتب صغير وسألتني عن مشروبي فطلبت كوبا من الأعشاب الهندية وحددت: أرجو ان يكون خاليا من الكاري، افتر ثغر السيدة عن ابتسامة وقورة، فقلت لنفسي لعلني أثرث امتعاضها!
شربت كوبا لزجا يشبه ماء غسيل الايدي بعد منسف مطبوخ بلبن الشنينة والسيدة السكرتيرة/ المساعدة تسألني عن الأردن التي زارتها قبل ثلاثين عاما واحتفظت بذكريات طيبة عن البحر الميت والبتراء ورم وواحة الأزرق.
سألتها: أين السفير؟ وكان قد مضى على وصولي الى السفارة نحو 10 دقائق. بهتت السيدة وقالت باستغراب: انا هي السفيرة !! بهت بدوري واطلقت ضحكة عميقة واسعة ثم قلت: كنت اظن انني ساقابل سفيرا من السيخ محاطا بتشكيلة من افاعي الكوبرا مختلفة الاحجام والألوان.
منذ تلك المفارقة أصبحت اطلب (سي. في ) السفير او المسؤول الذي ارغب في مقابلته.
2 – فيصل قويعة، سفير تونس لدى اندونيسيا هو من السفراء المتميزين متابع مثابر مثقف اجتماعي. كنا نذهب كل يوم سبت للاسترخاء في الساونا والجاكوزي في فندق موليا سنيان الفخم وكان حديثه مخيفا. كنت اخاف عليه وعلى اسرته وأتوسل اليه ألا يحكي ما يحكيه لي، امام الاخرين!! كان يحدثني بألم عن فساد نظام الدكتاتور الرئيس التونسي ابن علي وعن فساد اصهاره اسرة الطرابلسي وعن الظلم والبطش والرعب الذي يلف شعب تونس. كنت أقول له لو ان رأيه في نظامه وفي رئيسه يصل الى الأجهزة التونسية لأجهزت عليه، وكان يردد انت ثقة يا محمد وانا لست غرا او ثرثارا، يجب ان أفضفض كي لا اختنق.
كان ذلك في عام 2009 والرئيس ابن علي يبدو اكثر صلابة من صخور قرطاج.
3 – صلاح الدين البيشاري سفير ليبيا لدى جاكرتا كان من اوائل السفراء الليبيين المنشقين عن نظام الدكتاتور القذافي. اعلن عن التحاقه بالثورة على فضائية الجزيرة، فادركت حينها ان القذافي آيل الى السقوط، وآية ذلك موقف الرزين الشهم اليقظ صديقي صلاح.
كنا نذهب برفقة سفير قطر يوسف السادة أبو خالد وفيكتور زمتر سفير لبنان للعب البلياردو احيانا، حيث اطلعت على أحوال ليبيا من صلاح الذي كان يسمي – بيننا – العقيد القذافي المجنون !!
لما انشق صلاح كان مفلسا تقريبا، اقمت له حفل عشاء وداعيا قبل مغادرته الى طرابلس بليلة، ألقيت كلمة وصفت صلاحا فيها بانه سيلهم شباب ليبيا وان انحيازه الى ثورة الشعب الليبي يرسل رسالة الى العالم ان الثوار ليسوا حفنة زعران مدمنين كما وصفهم اعلام الدكتاتور.
خلال حفل تحدثت مع عدد من السفراء العرب – من خلف ظهر صلاح – مبلغا ان جـــــيوب صلاح خـــــاوية خاليـــــة فاستعدوا، الســـــــفراء التونسي والكويتي والسعودي والامـــاراتي والقطري والمصري والفلسطيني واللبنـــاني، لمد يد العــــون وفوضوني ان احدد المبلغ المطلوب وان اجمعه منهم.
غمرتني مسرة لا تضاهى وفرحة بنخوة زملائي، لكنني اصطدمت بصديقي صلاح، رفض رفضا قاطعا قبول اية مساعدة، قلت له هي قرض من اخوانك الى ان يفرجها الله، غير انني كنت أتكلم مع صخرة لا لين فيها.
بعد انتصار الثورة ذهب صلاح سفيرا لبلده الى الصين ثم ابلغني انه سيترك السفارة ليتفرغ لثورة جديدة. وعندما اختطف سفيرنا فواز العيطان كان اول من اتصل بي من ليبيا صلاح الدين البيشاري الذي طمأنني على سلامة سفيرنا.
4 – بشرى إبراهيم سفير السودان في جاكرتا سألوه وهو يهم بالمغادرة بعد ان انهى مأموريته في مدينة تختنق بالمركبات:
كم سنة امضيت في جاكرتا؟ وما هي انطباعاتك؟
قال امضيت هنا اربع سنوات، ثلاث سنوات في السيارة وسنة في باقي الواجبات.
5 – زرت سفير العراق الجديد في أثينا عام 2005، جلسنا في مكتبه الضيق نرتشف الشاي العراقي المعطر. قال لي: لقد أخرجت من هذه الغرفة الصغيرة 25 جهاز تنصت على السفير!! ومن المكاتب الأخرى اخرجنا عددا اكبر من أجهزة التنصت على الدبلوماسيين والموظفين.
سألته: هل تعتقد ان بالإمكان الاستماع الى كل أجهزة التنصت في كل سفارات العراق في كل العالم؟!
6 – البروفيسور نيكولاس فان دام سفير هولندا في جاكرتا، ابرز خبير في شؤون سورية والشرق الأوسط، ومؤلف كتاب «الصراع على السلطة في سوريا» – مكتبة مدبولي 1998- وصل الى جــــزر اندونيسية لم يصلها الاندونيســـيون، فاندونيــــسيا تـــــتألف من 17500 جزيــــــرة نصــــــفها غير مأهول ويحدث ان ترى مساء جزيرة في عرض البحر وفي الصباح لا تجدها.
عندما تقاعدنا في صيف عام 2012 حادثته في منزله بجنوب اسبانيا وارسلت له نحو 20 سؤالا حول سورية اجابني عليها باسهاب فارسلت الإجابات الى صحيفة الغد التي نشرتها في تشرين 2012. اعتقد ان أجوبة صديقي الحميم فان دام ما تزال تثبت الأيام والاحداث صحتها ودقتها. وكانت خلاصتها – المبنية على المعلومات لا على الرغبات- ان الأسد لن يخسر الحرب.
7 – خسرت صديقي سفير لبنان علي حسن لانني قلت له ان منطقة الشرق الأوسط دخلت في السواد بعد «ثورة» الخميني عام 1979. محظور ان تنتقد آيات الله حتى امام رجل مثقف علماني يعمل سفيرا لبلاده لبنان وليس سفيرا لإيران !! لقد انتفض جسم السفير في حركة احتجاجية كأنه تلقى طعنة بسيف. قال لي: لو غيرك فعلها لكنت هشّمت وجهه. اذا اردت ان نظل أصدقاء فعليك ان تتجنب المس بآية الله الخميني.