على بوابة السنة الجديدة
إذا كان الشاعر العربي مظفر النواب قد استهل امنياته لاعوام سابقة بعودة اللحن العراقي وان كان حزينا فإننا نستهل عامنا الجديد بعودة اللحن العراقي السوري والمصري واليمني والصومالي وما تيسر من اقطار دون دماء بصرف النظر عن منظومة الحزن المتصلة وبنغمات متعددة ومقامات أكثر حزنا من المقام العراقي فكل ما تحمله لنا الأيام لا يتعدّى الحزن والخراب في عالم عربي فقد عقله في مرحلة الربيع العربي، بعد ان فقد ظله في فلسطين على مدار سبعة عقود .
يبدأ العام الجديد مُحمّلا بظلال العام المنصرم ، فثمة نسر اردني تحت حراب الاسر وثمة مشروع مهلهل لانهاء الاحتلال الاسرائيلي بسقف اخفض من براكيّات المخيم « البراكيّة هي بيت من الصفيح « تم وأده رغم عدم تلبيته لابسط المطالب الفلسطينية ، وما بينهما استهلال برفع اسعار الكهرباء وتمرير قانون ضريبة اشتكى منه من سمح بإقراره على وعد التعديل في اول دورة عادية قادمة ، وهذه قضية تجاوزها العقل البشري منذ مغامرته الاولى زمن الاساطير ووصفها الشاعر التونسي المنصف المزغنّي ذات قصيدة مطالبة الشهيد عيّاش بالاعتذار عن الموت في الحرب القادمة .
يبدأ العام 2015 مكرورا مثل الموت في سوريا والعراق وفلسطين ، وعاديا مثل اكداس الخس على الطرقات والأمنية الوحيدة على عتباته ان ينخفض منسوب اللون الاحمر فيه ، فقد مللنا اللون الاحمر القاني وغير القاني لكثرة سيلانه في عواصم العرب ، اضافة الى انخفاض منسوب اللجان الاصلاحية وتعداد اللقاءات العربية تحت راية الجامعة التي لم تتمكن منذ عقود طويلة من منح اي ملف درجة الابتدائية بنجاح وليس مراحل الشهادات الجامعية .
لن نكذب على انفسنا بأماني كثيرة وتمنيات بتحرير اوطان او اعادة الاعتبار الى شهداء ، نتمنى فقط الحفاظ على خط الفقر من الانزلاق اكثر واكثر وان يحافظ ما تبقى من ابناء الطبقة الوسطى على اماكنهم رغم الجاذبية الاقتصادية الهائلة لمداخيلهم وفرص عمل ابنائهم فنحن لا نطالبهم بدهان المنزل وتغيير وسائط ركوبهم او قطع اثاث منازلهم كي ينجح بيت فقير في الحصول على قطعة اثاث فيها بقية من رمق ، نتمنى ان تحافظ كثير من البيوت على دجاجة الجمعة وعدم الانزلاق الى علب السردين وبقاء احلام الشباب متواضعة في ركوب سيارة كورية او صينية او وصول باص النقل العام في موعده .
لن نشطح في الاحلام كثيرا ولن نترك للخيال رسم الصورة بما شاء من الوان واضاءة ، نريده فقط ان يحافظ على ما تبقى من رسومات من زمن سابق كان فيه الناس اكثر ترابطا رغم الفقر وضيق اليد و كانت فيه شجاراتهم بسيطة وبالايدي في اعلاها ، وليس ان تبدأ المشاجرة البسيطة بإطلاق النار او الطعن بالادوات الحادة حتى خلناها ستنتهي بالقنابل إذا ما استمر الغضب على وتيرته المنفلتة ، نريد «مواسير» مليئة بالمياه في فترة الضخ الاسبوعي وكهرباء لا تنقطع ولاتقطع ظهورنا بفاتورتها الشهرية ، نريد الاستمرار في شواء اجنحة الدجاج لانتاج حالة من البهجة لصغار يبحثون عن كانون يغوي غرائزهم كما في الافلام وعن طبق دسم يوم الجمعة وفي الاعراس .
نحلم باسترداد شوارعنا من الطيش والزعران وعوادم السيارات ، و استرداد الارصفة للمشاة بدل البسطات التي تبيع كل ما هو تحتها وليس فوقها ، ونحلم بمكان على شاطئ البحر الميت دون كسر ظهر العائلة وشجرة تمنح خطيبين وقتا للهمس بأحاديث الغرام واسماء الابناء ، احلامنا بسيطة بالسترة والعودة الى المنزل دون ازرار مقطعة من القميص الرث او علامة في الوجه ، نريد السُترة كما كانت تقول الامهات والجدات ولا نريد اكثر ، فقد مللنا من الاحلام الكبيرة بالكرامة واسترداد الهيبة والاموال المنهوبة والمؤسسات المنكوبة بالخصخصة .