بصراحة مطلقة عن التوافق الوطني ولجنة الحوار!!
أولاً:-
لست ميالاً للانحياز لجانب الحكومات أبداً وتحت أي ظرف كان، لكنني وكسائر الناس في الشرق أفهم ان الحكومات دائماً مدانة ومطلوب منها أكثر مما تفعل، وهي تماماً في أعرافنا كالآباء المطلوب منهم أكثر وأكثر بكثير مما يقدمون للأبناء، 000 ذلك واقع ليس سلبياً في مطلق الأحوال، بل هو ربما وبالذات في أوقات الرخاء حالة ايجابية تفضي إلى حكومات منشغلة طول الوقت بضرورات تحسين الأداء وتقديم الأجود، وهذا في مصلحة البلاد والعباد بالضرورة!.
ثانياً:-
الأصل في الإصلاح برامج وتشريعات واجراءات على مستوى الدولة أن يأتي من البرلمان /مجلس النواب/ الذي يفترض أن يكون منتخباً بنزاهة من قبل الشعب مصدر السلطات ومانحها الدستوري والطبيعي للجميع، ومن هُنا، وبعملية حسابية لا تحتاج إلى عناء، فإن مجلس النواب المتصف بهكذا صفات هو الذي يناط به أمر اصلاح قانون الانتخاب باعتباره الأساس لكل اصلاح، إذ عبر هكذا قانون يأتي مجلس نواب كامل الشرعية والأهلية ليتولى تعديل كل التشريعات والاجراءات بما في ذلك دستور الدولة، أيّة دولة، وصولاً إلى ما يريده الناس والنخب والشرائح الاجتماعية والسياسية كافة.
ثالثاً:-
وفق هذا الفهم وعلى أرضية افتراض التسليم بسلامة النوايا العامة للسلطة الرسمية الحاكمة، فإن لجنة الحوار الوطني التي تشكلت حديثا منوط بها كما هو معلن000 التوصل إلى صيغة توافقية وطنية على قانونين محددين000 قانون انتخاب وقانون احزاب، ومتى تم ذلك وبالتوافق الوطني المأمول، سيجري إذن انتخاب مجلس نواب جديد حسب القانون التوافقي الجديد، ليتولى ذلك المجلس المنتظر في حقبة قادمة قد تطول وقد تقصر، مواصلة عملية الاصلاح المطلوب في هيكل الدستور وكل التشريعات الأخرى، خاصة وأن التوافق حول قانون الانتخاب سيكون مترافقا مع توافق وطني حول قانون احزاب جديد، باعتبار انهما قانونان متلازمان تماماً، هذا فضلاً عن أن تعديل قانون الانتخاب يتطلب تعديلات دستورية.
رابعاً:-
إلى هذا الحد تبدو الأمور منطقية من ناحية اجرائية بحتة فقد اختارت الحكومة لجنة للحوار وبارك الملك رئاسة اللجنة وتشكيلها واناط بها مهمة التوصل إلى صيغة توافقية وطنية حول القانونين المذكورين، والمفروض ان العمل سيبدأ لإنجاز هذه المهمة التي تشكل منطقياً كذلك المدخل الرئيس والأساس لانطلاقة وطنية شاملة نحو الاصلاح!.
ما يجري الآن هو نقد واضح للجنة من حيث تشكيلها بالاسماء ومن حيث طريقة تشكيلها ويقال في ذلك كلام واضح يسمي الأشياء بأسمائها وكلام آخر يتجنب تسمية الأشياء بأسمائها ربما لحساسيات اجتماعية وسياسية وما شابه.
خامساً:-
وسط هذا النقد المتوالي يشكك قادة الحركة الاسلامية الأجلاء بجدية اللجنة من حيث شخوصها وعملها ويرون في ذلك مجرد تسكين للأمور وتجنب متعمد للخوض في عمق الاشياء، وهذا موقف يشترك معهم فيه آخرون منهم من يقول كلاما منطقيا ومنهم من يبدي مخاوف جادة ومنهم من له اجتهادات تخصه ويريد ان يعمقها ومنهم من له اجتهادات يرى فيها عين المصلحة العامة.
سادساً:
في ثنايا الحديث من يتردد او هو يحجم عن القول بأن من مصلحتنا جميعاً على هذه الأرض ان نعيش سوياً بكرامة وأن يحترم بعضنا بعضاً وأن نبني معاً دولة تلبي طموحات الكل وتستجيب لحاضر ومستقبل الكل على قواعد العدل والمساواة وتقاسم الغرم والغنم000 ولذلك فإن المترددين أو المحجمين يذهبون إلى تبريرات أخرى ويرون أن اللجنة غير كفؤة أو أن مهامها غير كافة وما شابه من تبريرات!.
سابعاً:-
في تقديري ان مفهوم "التوافق الوطني" لا يقدر على إحرازه بجدية عملية إلا من كان تفكيرهم أبعد بكثير من هواجس الخوف والتردد والمجاملة، والذين يقولون كلمتهم بصراحة ووضوح وصدق ينفعهم عند الله يوم لا ظل إلا ظله ولا معين سواه وحده جلّ جلاله!.
ثامناً:-
بصراحة نقولها بين يدي الخالق العظيم ولا نخشى سواه، فإن التوافق الوطني في حالتنا الأردنية أمر عظيم لا يتحقق إلا بعقول عظيمة وفكر عظيم وشخوص عظام في تفكيرهم وقدرتهم على استشراف المستقبل القريب والبعيد، خاصة في هذا الزمان الذي تشتد فيه من حولنا الأزمات والمصائب والنكبات، وهو زمان اعتدناه وعاشه الطاعنون في السن أمثالي منذ بدايات نشوء الدولة والى يومنا هذا، ونحمد الله اننا قد تجاوزناها جميعاً بأداء رجال رجال أنوفهم أعلى بكثير من هامات كثير منا اليوم، فقد ترفعوا تماماً عن كل حسابات الجهوية والإقليمية والتطرف والغلو والمحاصصة والاستئثار والاحلال والاقصاء وما شابه من عناوين رديئة، وكانوا ذوي قامات شامخة في السلوك والايثار والقدرة على بناء "دولة محترمة" نحيا جميعاً اليوم في ظلالها ولم يعرفوا حسابات الشرق والغرب والشمال والجنوب، وإنما استثمروا بشموخ وطني رائع رمزية القيادة الهاشمية في الحكم وبنوا دولة فيها اليوم ثلاثون جامعة وتسع وتسعون بلدية وعشرات الأحزاب ومثلها من النقابات والاتحادات وآلاف الجمعيات وآلاف المدارس وطوفان من المؤسسات المدنية والخاصة وجيش قوي باسل وملايين البشر الجامعيين والمؤهلين المدربين وصحف واذاعات ومراكز اعلام عامة وخاصة عزّ نظيرها في أكثر دول الأرض تقدماً وحرية،، ومنجزات نتحدث عنها أعداداً وموضوعات حتى الصباح، وخرجوا بنا من كل المصائب آمنين مستقرين سالمين وأودعوا لنا أمانة الدولة التي نسعى حثيثاً لإفسادها ولسوء الحظ وبكل ما أوتينا من سبل لنجعل من شعبنا الطيب أغلبية صامتة كالحليم الحيران ونخباً فاعلة تصول وتجول في طول البلاد وعرضها بعضها يتقي الله وبعضها لا وجود في تفكيره لتقوى او إيمان او حتى مخافة من الله!.
تاسعاً:-
قدرنا نحن الناس الذين نعيش على هذه الأرض أن نعيش معاً بكرامة، وقدرنا أن نحترم بعضنا بعضاً في اطار الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، نحترمها ونسعى إلى تكريسها وصونها باعتبارها الجامع المشترك لنا جميعاً لا سبب الفرقة "لا قدر الله"، وقدرنا ان يستمر صهاينة العصر في استعمار القدس وفلسطين يشتد عودهم كل يوم /لسوء الحظ/ مستفيدين من ضعفنا وفرقتنا وهواننا ونحن قادرون لو نفضنا عن عقولنا صدأ الأيام ان نقض مواجعهم ولو بالكلمة ولو حتى بالتوافق على أن هؤلاء هم أعداؤنا وهم غاصبوا أرضنا وهم سبب بلائنا وكل ما نحن فيه من ضيق وعنت، وأن عودة فلسطين عربية والقدس عربية لأهلها الشرعيين ليست بالأمر المستحيل خاصة إذا ما كنا نؤمن بالله جلت قدرته وبوعده العظيم وهو لا يخلف الميعاد، وأن الزمان الراهن وأكاد أجزم واثقاً بإذن الله هو زمان نهاية ما يسمى "دولة اسرائيل" لو نحن وحدنا الصفوف وعرفنا منطقياً كيف نتعامل معهم ومع أصل القضية، لا أن نبقى رهناً لظلمهم وترتعد فرائصنا لمجرد تصريح ساقط يصدر عن صهيوني خنزير هامل يقول بأن "الأردن هو فلسطين" ليشتد عندها الزحام بيننا على الأردن بدل أن نتوجه معاً لتعظيم حملتنا ولو بالكلمة والموقف الشعبي هنا وهناك في فلسطين لتضييق الخناق على أولئك الغزاة المستعمرين الذين لا ينامون ليل هذه الايام وهم يرون طوفان المدد الشعبي العربي المنتفض ضد الهوان والذل والخنوع!.
عاشراً:-
التوافق الوطني بيننا هنا على أرض الأردن الغالي لا يكون بين السلطة الرسمية والناس، وإنما بين الناس أنفسهم، فالسلطة الرسمية تكون غاية في السعادة إذا ما جاءها الأردنيون عبر رجالهم الأحرار الصادقين متوافقين على الثوابت وعلى الاصلاح الشامل الذي يحصن الوطن والدولة والحاضر والمستقبل ضد أطماع الصهاينة ويعزز اللُّحمة الاجتماعية او ما يسمى بالوحدة الوطنية، وهذا انجاز لا يقدر عليه الا رجال منهم من قضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، فهؤلاء المندرجون تحت عباءة " من ينتظر" هم المطالبون اليوم وبرجولة الفكر العظيم على التوافق الصريح والذهاب فوراً إلى "القصر" ليقولوا كلمتهم الحرة الصادقة بأن ها قد توافقنا على الوفاق الوطني المنشود، وعندها فلن يجد الجميع وأجزم غير الاحترام والدعم والقبول، وعندها ستستقيم الأمور بإذن الله، لينصرف الجميع إلى اعمالهم أخوة متحابين راضين بأقدارهم منتظرين ان يقضي الله أمره في شأن "فلسطين" متى أراد، وعندها فلكل حادث حديث.
حادي عشر
جميل أن تكون لدينا لجنة حوار وطني، فذلك أمر يفيد، لكن الأجمل أن يتنادى أردنيون أفذاذ من كل المشارب لمؤتمر وطني مغلق يناقش "ورقة" معدّة سلفاً من قبل عشرة بررة ليس في نفوسهم صغر أو إقليمية او جهل سياسي، رجال يترفعون عن كل الصغائر ويقدرون الظروف ويحترمون الأردن الكريم وقيادته الهاشمية الكريمة ويؤمنون بأن لا مناص أمامنا الا ان نعيش كراماً أقوياء على هذه الأرض المباركة يحب بعضنا بعضاً بعيداً عن كل جهل او تخلف او محاصصة او فكر مريض ضيق، فنحن كلنا أردنيون نقول كلمتنا الصادقة الجريئة في الغرف المغلقة والهواء الطلق كما هي دون أن تبتذل عندما تصدق النيات!.
ثاني عشر:-
مؤتمر وطني مغلق كهذا كفيل بأن يحقق حدوداً معقولة من طموح الكل شرط ان لا يكون في نفس وسريرة كل فرد على الأرض الأردنية غير الولاء لله ثم للأردن بقيادته الهاشمية، وشرط أن يعتبر كل فرد منهم أن الأردن وطنه الذي يحب وأن لا فرق عنده بين قرية المريغة ومخيم الوحدات، فالأرض كلها أردنية والناس جميعاً عليها أردنيون، وما داموا يحملون ذات الوثائق فلا بد أن يحملوا ذات الهم وذات الانتماء، أما فلسطين فمطلبنا جميعاً.
أخيراً وليس آخراً000 فالعتب كل العتب على الرموز والقيادات الراشدة في "الحركة الاسلامية" الأردنية، فهؤلاء يتحملون المسؤولية الكاملة بين يدي الله العزيز أولاً، وأمام التاريخ والأجيال، إذ لا يوقفون الرؤوس الحامية غير المقدرة للظروف عند حدها، وإذ يخلون الساحة وعلى نحو غير مفهوم وكأنما ينسحبون من المشهد في أحلك الظروف، وإذ يطلبون كل شيء كما يريدون وفي ذات اللحظة، دون أن يتركوا لسواهم فرصة، في وقت يدركون فيه "أن خالق الكون جلّ وعلا وتعالى خلق الكون في ستة أيام، وهنا أستميحهم العذر في أن أدعوهم للعودة إلى بدايات الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنى وأن يلفظوا من بين الصفوف كل متعال فلا علو الا لله، وأن يدركوا وهم خير من يدرك ومعهم رجال أردنيون أفذاذ غابوا أو غيبوا، أن عليهم واجب مقدس في صون الأردن الغالي من كل أذى وأن السلطة الرسمية الأردنية بكل تفاصيلها وتاريخها ومنهجها سلطة مسالمة طيبة لا يجدون مثلها على وجه البسيطة أينما
ذهبوا.. وهي دعوة صادقة بعون الله لهم ولسواهم لتدارك الأمور والانخراط في اللجنة التي باركها الملك الهاشمي لانجاز المهمة دونما إعلان تمهيداً لعرضها على مؤتمر وطني محدود لا يشارك فيه الا من كان أهلاً للمشاركة من أهل الأردن، المشهود لهم بالحضور وبسلامة الضمائر والوجدان ولم يعدم الأردن العربي الهاشمي بعد نفراً طيبين من هؤلاء.
000 نعم000 هي مهمة وطنية دينية انسانية عظيمة لا يتصدى لها الا العظام في شخوصهم وفكرهم وعروبتهم وهم كثر والحمد لله.
والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق.
شحادة أبو بقر
She_abubakar@yahoo.com