اصمتوا.. إنها المصلحة الوطنية!
اليوم، يُقرّ مجلس الأعيان مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، وذلك في وقت قياسي لم يتجاوز ثلاثة أيام. وفي اللحظة ذاتها التي أُقرّ فيها المشروع من قبل اللجنة المالية والاقتصادية في المجلس، أول من أمس، كنا نسمع كلاما عن نوايا بتقديم قانون معدل في دورة مقبلة؛ لعلم أكيد بأن القانون الجديد سيئ، تعتريه عيوب واضحة توجب قريباً خطوة التعديل.
لكن، لم لا يُقرّ القانون مشوهاً، طالما أن الحجة هي الحفاظ على المصلحة الوطنية؟! وهي الأمر الذي مثّل دوماً الوتر الذي يعزف عليه كل مخطئ ومقصر، وحتى مذنب أيضا؛ بالاختباء خلف "المصلحة الوطنية" التي لا يقدر أحد على مناقشتها والاختلاف بشأن ضرورة حمايتها!
في الإعلام تحديداً، كثيرا ما نواجَه بهذه العبارة التي تحمل بين ثناياها مزايدة من نوع مختلف، على اعتبار أن قائلها، أياً كان ومهما فعل، هو الأدرى والأعلم من غيره بمصلحة الوطن والمواطن.
ولأنها عبارة فضفاضة، فإنها تصلح للاستخدام في أكثر من اتجاه؛ سياسيا واقتصاديا، كما اجتماعيا، إنما بكونها أداة إسكات للآخر، رغم أن قياس المصلحة الوطنية، يظل برغم سموها وحتى قدسيتها، مسألة نسبية، تحتمل الاختلاف بين جهة وأخرى، وبين شخص وآخر، كل بحسب الموقع الذي يتحدث منه.
ففي حالة قانون ضريبة الدخل الجديد، كان لازماً، من وجهة نظري، التريث في إقرار هكذا تشريع استراتيجي، يمسّ مختلف القطاعات. وبما كان ينسجم حقيقة مع المصلحة الوطنية، ويسمح بإتاحة مزيد من الوقت لتحسين بعض بنوده، خدمة للاقتصاد، لاسيما عبر تكريس فكرة الاستقرار التشريعي بدلاً من الضرب بها عرض الحائط على نحو ما سيحصل الآن.
إذن، المصلحة الوطنية ذاتها هي ما كانت تقتضي أن يأخذ مجلس الأعيان الوقت الكافي لمناقشة القانون الجديد، لاسيما مع وجود يقين بأن العديد من أعضاء المجلس لديهم ملاحظات جوهرية بشأنه، خصوصاً فيما يتصل بالدور الذي سيلعبه، سلبا أو إيجابا، في تحسين بيئة الأعمال والاستثمار. بعبارة أخرى، وبداهة، فإن المصلحة الوطنية تتجسد في توظيف هذا التشريع في توطين الاستثمار لا "تطفيشه"، وتحديدا ذاك المرتبط بمشاريع في القطاعين التجاري والخدمات؛ كما تتجسد هذه المصلحة في تثبيت الشباب، المبدعين خصوصاً، في بلدهم، من خلال منحهم فرصاً حقيقية لإنشاء مشاريعهم الخاصة، لا دفعهم للرحيل إلى دول أخرى تغريهم بميزات ضريبية.
الغريب أن المصلحة الوطنية من وجهة نظر الحكومة اليوم، لا تتعدى كونها تمرير قانون الضريبة كيفما اتفق، استجابة لرغبات صندوق النقد الدولي، لإبقاء نافذته التمويلية مفتوحة، إلى جانب تحصيل 100 مليون دينار إيرادات جديدة تبعا لنسب الضريبة الجديدة.
والمستغرب أيضا أن يُقرّ القانون بداعي صون المصلحة الوطنية، رغم أن للحكومة بدورها تحفظات على بعض بنوده، و"الصندوق" نفسه لا يمانع تأجيل إقراره، فيما لدى الأعيان ملاحظات قاسية. فتُرى، من الذي ضغط باتجاه تمرير التشريع، رغم كل التحفظات عليه؟!
للأسف، عادة ما يُلجأ لدينا إلى تعبير "المصلحة الوطنية" لإسكات الآخر وقطع الحوار فقط؛ إذ لا شيء يعلو على هذه المصلحة. لكن، من المهم في هذه المرحلة التي تعمّها الفوضى ويغيب عنها الأفق، أن نلتقي على تعريف واضح محدد وحقيقي لـ"المصلحة الوطنية"، فلا يتواصل سوء استخدامها أداة للتغطية على الأخطاء والخطايا التي ارتكبت وترتكب مرة تلو الأخرى، بزعم الحفاظ على مصلحة الوطن والمواطن!
خاتمة الكلام، المصلحة الوطنية تقتضي التريث قبل إنفاذ قانون الضريبة الجديد!