«الإسلاميون والحكم.. قراءات في خمس تجارب»
على مدى ثلاثة ايام (تنتهي ظهر اليوم) نجح مركز القدس للدراسات السياسية الذي يرأسه الصديق عريب الرنتاوي وبالتعاون مع شبكة الاصلاح والتغيير الديمقراطي في العالم العربي، في جمع اطياف من المدارس «الفكرية» والمكوّنات السياسية والاحزاب والشخصيات ذات المرجعيات والايديولوجيات المختلفة، ان لم نقل «المتعادية»، على نحو بدا وكأن الدخول في عش الدبابير هذا، لن يكون بغير ثمن، اقله الصدام وتفجّر المؤتمر الاقليمي (هكذا وصفته الجهة الداعية) وبخاصة اننا امام تجارب لم تنتهِ بعد واخرى اصيبت في مقتل (مصر) بعد ان «ركب» مكتب ارشاد اخوان مصر رأسه، وراح يضرب في اليمين وفي الشمال دون اعتبار لخصوصية المشهد المصري الذي أُصيب بتكلّس حدود الشلل بفعل اربعة عقود من الاستبداد والفساد والتبعية والارتهان للسيد الاميركي، فاذا بنا امام «جماعة» ارادت الاستحواذ على ثورة 25 يناير وراحت في نشوة مَرَضِيّة (كما يجب التنويه) تُلغي مصر بشبابها ونسائها واحزابها وترى ان بلاد النيل هي مجرد مزرعة لجماعة طال شوقها للسلطة وان الفرصة قد حانت، ولهذا انتهت الى ما انتهت اليه من فشل..
ما يؤسف له، ان احداً من جماعة الاخوان او اي تيار اسلامي «مصري» لم يكن حاضراً عند عَرْض التجربة المصرية، وكان هناك ممثل لحزب الوفد وآخر مستشاراً لمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية وحالت ظروف عديدة دون وجود ناجح ابراهيم الذي وصف في برنامج المؤتمر بأنه باحث ومفكر اسلامي..
اربعة اقطار عربية كانت محور الحديث هي تونس بما شكلته وما تزال في المشهد العربي الراهن كذلك الحال مع مصر والمغرب والعراق، وجاءت تركيا البلد غير العربي الوحيد..استثناء، كونها ذات تأثير في التجربة الاسلامية «العربية» (إن جاز القول)، وأحسب ان منظمي المؤتمر قد اصابوا عندما أضافوا التجربة التركية (المفتوحة على احتمالات عديدة رغم الاعجاب او الانبهار، الذي ما يزال يحكم نظرة الاسلاميين العرب.. اليها).
ماذا عن اسلاميي الاردن؟
اليوم... يفترض ان يكون عنوان الجلسة الاخيرة هو محور الحديث عن تجربة العلاقة بين «الاسلاميين والحكم في الاردن»، يتحدث فيها نائب حالي ورئيس وزراء سابق ووزير خارجية أسبق والامين العام لجبهة العمل الاسلامي، ما يعني ان استباق القراءة او التعليق، سيكون مغامرة، لأن حديثا كهذا، بخاصة بعد دخول لاعبين جُدُد على المشهد الاقليمي، وباتت قوى عديدة (بينها داعش) تؤثر في مسار الاحداث، وربما تأخذه الى مربعات ومواقع لا يتوقعها احد، بعد ان أُنْهِكَتْ المنطقة وأُسُتنزِفتْ منذ أربع سنوات.
قد لا يكون جديداً الحديث عن التجارب التونسية والمصرية والمغربية والعراقية وإن كانت الاخيرة ما تزال رهن التجاذبات الاقليمية والدولية, بعد أن اخذ الصراع وجهة مغايرة عن تلك التي سادت طوال عشر سنوات هي عمر الاحتلال الاميركي, وبعد أن خرج أو أُخرِج نوري المالكي من دائرة التأثير، وباتت الامكانية واردة لرسم خريطة سياسية جديدة لبلاد الرافدين في اطار تسوية اقليمية شاملة تلحظ موازين القوى الجديدة ولا تهمل مصالح اللاعبين الرئيسيين في المنطقة, بعد أن تغيرت معادلة الاوزان والحجوم, إثر النكبات العربية المتمادية.
مقاربات التوانسة وهم من ثلاثة تيارات فاعلة في الحياة السياسية الجديدة كانت حضارية ولافتة في هدوئها وتشخيصها وإضاءتها على مفاصل عديدة، تلحظ الملفات التي تُعنى بها الاحزاب والحركات التي يمثلونها، وهم عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة وعضو المكتب التنفيذي في حزب نداء تونس والحال ذاتها مع نائب الامين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد..
«الاتراك» أيضاً, كانوا «مُدِهشين» حقاً, يكاد المرء يظن أن احتمالات قيامهم بلكم بعضهم البعض اكثر من واردة نظراً لحدة الانتقاد والمصطلحات اللاذعة والغمزات, بل والضربات تحت الحزام التي لم يوفرها ممثلا المعارضة، واحد من حزب الشعب الجمهوري (الاتاتوركي) والآخر عضو البرلمان التركي عن حزب السلام والديمقراطية (الكردي) في مواجهة نائب رئيس الوزراء التركي السابق، مستشار الرئيس التركي اردوغان.
لست في صدد عرض وجهات النظر المختلفة، بقدر ما رغبت في الاضاءة بل ومديح الهدوء في الطرح والايمان بحق الاختلاف والتعددية وعدم احتكار الوطنية والحقيقة التي استشرت (وما تزال) في ساحات العمل السياسي والحزبي بل والثقافي والاجتماعي (ما بالك الديني) العربي, لكن مواصلة المسار الديمقراطي وتعميقه عبر مواجهة اعداء الديمقراطية بمزيد من الاجراءات الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون، هي الطريق لالغاء المقولة المتهافتة والمشبوهة التي تقول: ان الديمقراطية «لا» تصلح في العالم العربي, وأنها لا بد ان تتم على جرعات، تكاد اجيال عديدة من الشباب العربي «تنقرض» قبل أن ترى هذا الشبح المسمى «ديمقراطية»..
ما اصابني بالصدمة هي عقلية التربص والانحياز والجلوس على منصة القاضي، التي كانت تفوح من رائحة الاسئلة والمداخلات التي ساقها الحضور، بدلاً من تركيزها على المعرفة والاستزادة وتبديد الغموض عن بعض ما التبس حول تلك التجارب.
شكراً لمركز القدس للدراسات السياسية...ولرئيسه.