«نتنياهو» بين «شؤم آذار» و«النقمة الفلسطينية»
ينهمك المجتمع السياسي في إسرائيل في هذه الأيام في استعداداته لملاقات الانفجارات السياسية المتوقعة في الانتخابات المقبلة في آذار. وكل مرشح، عينه على كرسي رئاسة الحكومة، يحضر نفسه ويجمع الأوراق التي سيلعبها لكسب الأغلبية، في وقت تتحول فيه هذه الانتخابات إلى استفتاء شعبي حول عودة مهتزة لرئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) إلى سدة الحكم أو تقاعد ينهي حياته السياسية إلى الأبد.
(نتنياهو) فقد الورقة الإيرانية التي كان دائم التهديد بها بعد الاجتماعات الأخيرة في النمسا، حيث يتم تداول أخبار مؤكدة عن اتفاق فعلي وشيك بين إيران والخمسة زائد واحد بشأن الملف النووي الإيراني، ربما يتم تأجيل إعلانه إلى أواخر تموز/ يوليو القادم. ولأن الإدارة الأميركية لا يمكنها رفع العقوبات ضد إيران فوراً الآن، بعد خسارة الحزب الديموقراطي لانتخابات الكونغرس، فإن تأجيل الاتفاق إلى تموز لربما يريح الإدارة وينجيها من محاسبة الكونغرس الجمهوري اليميني. أما بالنسبة «للمحور الإيراني المعتدل» الذي يمثله الرئيس (حسن روحاني) فلا يمكنه التوقيع على اتفاق الآن في ظل عقوبات ما زالت قائمة ولكن يتم رفعها تدريجياً وربما بتسارع. كما أن انتهاء العامل الزمني للمقاطعة الأوروبية والأمم المتحدة في أواخر تموز المقبل وعدم تجديدها ينهي مشكلة «رفع العقوبات» من جانبهم. وإذا بقيت العقوبات الأميركية، فلا جدوى كبيرة منها لأنها، في الأساس، ستعاقب الشركات الأميركية بعد انتهاء العامل الزمني لبقية العقوبات.
في ظل فقدانه الورقة الإيرانية، اخترع (نتنياهو) ورقة، جديدة هذه المرة، لاستعمالها في الانتخابات لجذب المستعمرين/ «المستوطنين» المتعصبين، ألا وهي ورقة «هدم البيوت». لقد نشرت وسائل الأنباء العالمية، بما فيها الإسرائيلية، الكثير عن هذا الموضوع. وفي هذا السياق، بين برنامج إخباري أعده البروفيسور (يوسي مكلبرغ) الأكاديمي الإسرائيلي المشهور في الغرب ومدير مركز العلاقات الدولية والعلوم الاجتماعية في جامعة «ريجينت» في لندن، أعده لشركة الإخبارية العالمية الأميركية CNN عن هدم بيوت الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حمل عنوان: «الهدم الإسرائيلي لبيوت المهاجرين غير قانوني: عمل مستنكر ولا يجدي نفعاً، بل مردوده فيه أذى لإسرائيل». ولقد أكد البرنامج الإخباري الحقائق التالية: «أن الفجور اللاأخلاقي وعدم الشرعية في هدم البيوت هي أسس كافية بحد ذاتها للامتناع والكف عن هذا العمل الشنيع الذي سيؤدي إلى هاوية سحيقة». وذكر البرنامج تقرير «المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان» الذي جاء فيه «أنه أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ما بين 2001 و2005 هدمت السلطات الإسرائيلية 664 بيتاً فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة». وأكد البروفيسور الإسرائيلي في هذا البرنامج «أن هدم البيوت هو عمل مناف لقرارات جنيف الذي يمكن أن يؤدي إلى إدانة إسرائيل قضائياً لارتكابها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي».
أما الورقة الجديدة الثانية في يد (نتنياهو) فهو الإئتلاف اليميني المتأرجح مع (أفيغدور ليبرمان) قائد «إسرائيل بيتنا»، والمرجح مع (نتالي بنيت) قائد الحزب الديني اليميني «البيت اليهودي»، علما بأن (بنيت) هذا يرأس أيضاً «الحركة البرلمانية الكبرى» المعروفة باسم «إسرائيل لنا» التي «تؤيد فتح باب الاستيطان على مصراعيه في الضفة الغربية». وبالرغم من وعده بتأييد (نتنياهو) يأمل (بنيت) بان يكون رئيس الوزراء اللاحق لإسرائيل فهو إذن منافس حقيقي ولو خفي. في هذا السياق، يبدو أن هناك شخصا واحدا يمكن أن يفسد كل أوراق (نتنياهو) وأحلام (بنيت) وخطط (ليبرمان)، هو (موشيه كلحون) وهو من قلب حزب الليكود الذي غادره «لأن الليكود أصبح مسيطراً عليه من قبل اليمين المتطرف»، وفقاً لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. و(كلحون) هذا استطاع كسر احتكار الاتصالات الخلوية عندما كان وزيراً للاتصالات وعمل بشكل جدّي «من أجل تحسين الأحوال الاقتصادية لطبقة المحرومين في المجتمع الإسرائيلي». وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فإنه من المتوقع أن يحوز حزب (كلحون) «الحزب الاجتماعي الاقتصادي» على عشرة مقاعد في الانتخابات القادمة. ومن أهم مؤيديه الذين سيكونون على لائحته، يبرز إسمان: (مئير داغان) و(يوعاف غالانت). وقد حدد البرفيسور (إبراهام ديسكن) شخصية (كحلون) بالشكل التالي: «لدى كحلون سحر شخصية جذابة نوعها فريد جداً، هو بالفعل رجل يشع مصداقية صادقة». وعليه، يتوقع الكثيرون أن يكون (كحلون) «بيضة القبان» التي ستقرر هوية رئيس وزراء إسرائيل المقبل، لان الأرقام، بحسب استطلاعات الرأي، بين (تجمع اليمين) وبين (اليسار المتحالف مع الوسط) متقاربة جداً. وإذ نحن ننتظر مصير (نتنياهو) فإننا ننتظر ما سيجلبه «شؤم آذار القادم»،–وفي الوقت ذاته–ما ستجلبه النقمة الفلسطينية ضد سياسة الاستعمار/ الاستيطاني» العنصري الإسرائيلي التي يقودها (نتنياهو).