ما بين السدين
ودائماً ما يثير فضولي ذو القرنين، ذلك الملك العظيم الذي أعطاه الله لكل شيء سببا، وأعطاه القدرة على أن يُتبع الأسباب أيضاَ، الى أن وصل الى تلك القرية ما بين السدين.
والكل يعلم بأن أصحاب هذه القرية قد تقدموا بشكوى الى ملك الأرض في ذلك الحين على قوم يأجوج ومأجوج الذي يفسدون في الأرض ويقضون على خيرات أهل هذه القرية المسكينة.
والغريب في الموضوع أن أصحاب هذه القرية يعلمون الحل لهؤلاء الخارجين عن القانون وكيفية وضع حد لهم من خلال بناء سد يحميهم من فسادهم، وطلبوا من ذي القرنين أن يقوم ببناء السد مقابل أن يدفعوا له مبلغ من المال.
ولكن ذو القرنين ملك وعالم جليل وذو فكر نير، فهل وافق على بناء السد مقابل أن يأخذ منهم المال؟ في الحقيقة رفض الملك هذا العرض السخي وطلب منهم أن يعينوه على بناء السد، بل وسخر كل طاقاتهم في بناءه، فقال "أعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم سدا"، ثم قال لهم "آتوني زبر الحديد"، وقال أيضاً "إنفخوا" وقال "آتوني إفرغ عليه قطرا".
ويظهر من خلال الآيات الكريمة أن ذو القرنين لم يعمل شيئاً بيديه، بل أخرج تلك الطاقات المكنونة والكامنة في نفوس أصحاب القرية حتى تحقق لهم ما أرادوا وأقاموا السد بينهم وبين القوم المفسدين.
أما نحن؛ فلا نختلف كثيراً عن قوم "ما بين السدين"، نطلب من الدول المتقدمة الخدمات وبناء العقارات والأبراج والأنفاق والجسور، ونطلب منهم تصنيع الملابس والسيارات والإلكترونيات، ونجعل لهم في المقابل "خرجا".
وبما أنهم ليسوا بنفس عقلية الملك الصالح يوافقون ويقومون بتقديم تلك الخدمات لنا مقابل المال، ونبقى نحن على أسرتنا العاجية في راحة جسدية وعقلية تامة.
بل إن بعض الدول لم تصل الى مرحلة قوم ما بين السدين، فلا يقدمون المال مقابل الخدمات، وإنما يقتاتون على المعونات والخدمات المجانية التي تقدمها تلك الدول الكبرى والمقتدرة، فيحتاجون الخدمات ويطلبونها دون تقديم المال، وإنما بجعل أنفسهم دواب لتلك الدول الرائدة.