حوار أم مفاوضات؟
ينظر البعض إلى لجنة الحوار الوطني وكأنها لجنة مفاوضات بين طرف انتصر وآخر استسلم ورفع الراية البيضاء. والآخر هنا الدولة. وبدأنا نسمع عن شروط مسبقة للحوار، وسعي لفرض مخرجات مسبقة له.
لا.. الأمور ليست هكذا. دعونا نتفق أن الطبقة السياسية بكل أطيافها، في الحكم والمعارضة، تريد الإصلاح، وكما قال الملك: "إصلاح حقيقي وسريع". فقليل من التواضع لا يضير كثيرا، وغير ذلك فالمكابر هو الخاسر.
في ظل الظروف وموازين القوى السياسية الراهنة، من الخطأ أن يطلب أي فصيل سياسي كل شيء أو لا شيء. والحكمة تقضي الأخذ بقاعدة "خذ وطالب".
لجنة الحوار التي تشكلت فيها مثالب ونواقص، لكنها تفي بالغرض. وأظن أنها تضم كل التيارات السياسية في البلاد، ربما باستثناء "الديجيتال" وهو التيار المهزوم على كل حال. وإذا غاب الإسلاميون عن اللجنة، فإن أفكارهم حاضرة من خلال أعضاء آخرين في اللجنة.
أتمنى أن ينزل الإسلاميون عن الشجرة ويحضروا الاجتماع، لأن مطالبهم أخذت بعين الاعتبار. إذ جرى توجيه رسالة ملكية لرئيس لجنة الحوار الإصلاحي الديمقراطي طاهر المصري، استجابة لطلبهم برعاية ملكية للحوار. وكذلك، تضمن قرار مجلس الوزراء، عند الإعلان عن تشكيل اللجنة ومهماتها، الإشارة بوضوح إلى دراسة كل "التشريعات" التي تساعد في الوصول إلى قانون انتخاب ديمقراطي وقانون أحزاب عصري للوصول إلى الهدف الأسمى، وهو مجلس نواب تمثيلي فاعل.
و"التشريعات" هنا على إطلاقها، وهي تفتح الباب لمراجعات "دستورية". وبات معروفا للجميع أن لجنة الحوار لن تجد مناصا من فتح باب البحث في التعديلات الدستورية التي تخدم هدف الإصلاح السياسي، وأن ترفع توصيات لإعادة النظر في بعض النصوص الدستورية ليصار إلى بحثها والتدقيق فيها من لدن لجنة أخرى متخصصة.
علينا جميعا أن نتوافق على عدم إضاعة فرصة "التوافق" على إصلاحات سياسية "حقيقية وسريعة"، وليكن الإصلاح متدرجا يمكن للدولة والمجتمع أن يهضماه ويراعي كل المحاذير.
وأظن أن بالإمكان التوافق على خطوات إصلاحية أكثر من مقبولة في هذه المرحلة، لأن غايتنا الوصول إلى ديمقراطية صلبة، كون ظروفنا المحلية والإقليمية لا تحتمل ديمقراطية رخوة تؤثر على تماسك الجبهة الداخلية. وأظن أن القواسم المشتركة للإصلاح باتت واضحة، وعمل لجنة الحوار الوطني سينصب على التفاصيل والإخراج، وتتلخص في: التوصية بتعديلات دستورية تعزز مكانة البرلمان وتدعم استقلاله، والتوافق على أسس وقواعد لقانون انتخاب مختلط يجمع بين القائمة النسبية والتمثيل الفردي، وسوف يتركز النقاش حول عدد المقاعد التي ستخصص لكل شكل من أشكال التمثيل، وهل ستكون القائمة النسبية على مستوى المحافظة أم على مستوى الوطن أم الاثنين معا (تصويت وطن وحصة محافظة)، بالإضافة إلى أسس توزيع الدوائر الفردية والجهة التي ستشرف على الانتخابات. وبالمناسبة، على الأحزاب أن لا تتوهم أن مقاعد القوائم النسبية ستكون من نصيبها، لأن العشائر والزعامات الفردية ستشكل قوائمها وستفوز بأغلب مقاعد القوائم النسبية.
نعود إلى القواسم المشتركة للإصلاح. فقانون الأحزاب سيخضع لمناقشات مستفيضة حول ازدواجية العضوية بين تنظيمين سياسيين، وفصل العمل الدعوي عن العمل السياسي (فصل الدين عن السياسة)، ومشروعية أن يحمل اسم الحزب توصيفات دينية، وإطلاق حرية أوسع لعمل الأحزاب، وإعادة النظر في أسس وقواعد تمويلها المالي.. عناوين يسهل التفاهم حولها، لأنها من صلب العمل الديمقراطي، وتشكل مقدمة لانطلاقة سياسية جديدة.