ماذا يجري في «الإخوان»؟

لا شك ان تجربة الاخوان المسلمين في الحكم سواء في تونس او مصر وشعارات الربيع العربي التي لم تجد اذانا صاغية في الاردن، ارتدت بشكل عنيف على تركيبة التنظيم الداخلية.

وهذه التجربة لم تفقد هذا التنظيم العالمي توازنه الداخلي فقط وانما افقدته اهم حلفائه السياسيين الذين كانوا اول ضحاياه يوم اصبح قادته على كراسي الحكم.


في الاردن، اضطر تيار الاعتدال بعد فشله بادارة دفة الجماعة في فترة عنفوان ما عرف باسم «الربيع العربي» الى انتاج مبادرة زمزم «الاصلاحية» والتي قابلها تيار الصقور برفض متشدد وغير مسبوق الى درجة انه احال اصحابها، بصفته المسيطر على مصنع القرار في الجماعة الى محاكمات داخلية لان في ذلك من وجهة نظر هذا التيار خروجا على المنهج والسياسة التي خطت للتنظيم في الاردن غير انه لا يخدم ما قرره التنظيم العالمي الام في القاهرة للقبض على زمام السلطة في عمان.


وما جرى في القاهرة ابان حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي بمحاولة احتكار السلطة لعشرات السنين من خلال الدستور الذي تم صياغته على مقاس الجماعة، كان له مردود سياسي سلبي على التنظيم وشعبيته في عمان وتونس وايضا سوريا والعراق والخليج العربي.


والسيارات المفخخة وعمليات الاغتيال المباشر التي شهدتها مصر فور سقوط حكم الاخوان، وتبنيها من قبل تنظيمات متشددة ومسلحة محسوبة على تنظيم القاعدة و» تفريخاته»، كشف عن منحنى دموي كان ينتظر المنطقة بحكم الاسلام، وان في الصحراء المصرية امتدادا الى ليبيا جيشا مسلحا جاهزا لتخريب ما زحف اليه الشعب المصري من اجل مستقبله وقوته ولقمة عيشه. والارهاب الذي نشط في المنطقة العربية كواحد من نتائج ذلك الربيع العربي دليل على ان الثورات التي عشناها على مدى السنوات الماضية اختطفت لتغذي خلايا الارهاب النائمة في مصر واليمن وليبيا والان في سوريا والعراق وتحاول الانتشار في دول الخليج والاردن لهدف بات الجميع على قناعة بان المستفيد من كل هذا المسلسل الدموي « اسرائيل».
اما النتيجة الابرز لربيعهم ان الامة الاسلامية والعربية ازدادت فرقة وتشرذما. فقبل ان تدخل التنظيمات الدعوية الاسلامية حقل السياسة كان الحديث ينصب على اقامة مشاريع عربية مشتركة بين 22 دولة، فكنا نسمع هذا مغربي وذاك مصري وهناك عراقي، اما اليوم فلا نسمع الا ان ذلك سني وهذا شيعي وذاك مسيحي وهكذا، الامر الذي وضع المنطقة باكملها امام شلالات عنف مذهبية وطائفية وجهوية ضيقة.


والغريب ان هذه «الفوضى» لا زالت تجد الاسناد غير المباشر من قبل منظمات مدنية تعمل تحت يافطات حقوقية تدعو حتى الان الى الحرية المطلقة التي كان نتاجها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية قنوات فضائية ووسائل اعلام مكتوبة ومسموعة والكترونية تغذي المشهد الذي تعيشه المنطقة من «قتل بارد» باسم «حرية التعبير».


ولان كل هذه التفاصيل وجهت في الاردن ومصر وتونس بوعي شعبي، كانت النتيجة انفجارات في البيت الداخلي للاخوان، وانسحابات من المشروع الدولي للجماعة بمعناه السياسي وليس التنظيمي
والتي كان ثمنها خروج الشعب الى الشوارع واسقاط نظام الاخوان،، والذي ظهر واضحا في نتائج الانتخابات الداخلية لعدد من القواعد الشعبية المهمة للجماعة في الاردن ببدء تسليم الحمائم مجددا مفاتيح القيادة، وفي تونس انسحاب رئيس الوزراء والامين العام السابق السابق لحركة النهضة في تونس حمادي الجبالي من التنظيم.


وجنوح الاخوان الى المشاركة في حكم تونس وليس المغالبة دفع الجبالي الى الانسحاب والذي قال بانه لم يعد يجد نفسه في خيارات النهضة، في اشارة منه الى انها حادت عن الخط الذي رسمته لنفسها بان تكون صاحبة السلطة كما كان الامر بعد خلع الرئيس التونسي الاسبق زين العابدين بن علي.


والواضح ان المراجعة السياسية الجارية حاليا داخل تنظيمات الاخوان المسلمين، في هذه الدول، تنسلخ تدريجيا عن التنظيم الدولي الام الذي بات مكبلا في السجون المصرية ينتظر المحاكمة، ولم تعد القاهرة مرجعيته التنظيمية.


ووفق ما نتابعه من تطورات على صعيد التنظيم في عدد من الدول، فان شراع الجماعة يتجه الى الاعتدال والعودة الى مربع الشعبية الذي تشكل بصفة التنظيم جزءا من نسيج هذه المجتمعات وليس غالبيته.


اما دعاة المغالبة، فالطريق امامهم غدت سالكة باتجاه العزلة او الخروج من بوابات التنظيم كأفراد ليس معهم الا صوتهم العالي.