الحياة مدرسة ...!!!




لم أكنْ أتوقع يومًا أن الدنيا هكذا تسير ، لطالما حدثني أبي عن أشباح البشر ، وكيف ينتهزون فرصهم ، وفي أي ساعة ينقضون على فرائسهم ، وكيف يعطونك من طرف اللسان حلاوة ويراوغون عند المواقف كما يراوغ الثعلب ، لطالما وقفت في حضرة أمي وهي تحدثني أن الدنيا مليئة بأبناء الحرام والمتنكرين ومن يضحكون بوجهك ويطعنوك من الخلف بسهام الموت التي لا تخطئ ولا تظل الطريق ، كم مرة جلست مع إخواني وأخبروني أن الحياة مدرسة ، وستعطيك الكثير من الدروس فاحرص على أن تتعلم منها ولا تُهمل درسًا ، ولكن لم أحرص وأهملت الدروس >

 أذكر مرة خرجت مع أبي في الصحراء القاحلة ، ودار بيننا حديث طويل ، حدثني عن ماضيه ، وبعض المواقف التي تلقن منها دروسًا لا تنسى ، وقتئذٍ قال لي حرفيا إن خرج سرك من عبك فلا تلومنَّ إلا نفسك ، هذه من بعض نصائح أبي ، لربما لا زلت أتذكر تلك المواقف التي اتخذتها تجاه مديري في مدرسة جاوا الأساسية الثانية للبنين الأستاذ أمين الرقب سهل الله أمره وقدس سره عندما كان بيننا خلاف فكري تربوي ، أنظر إليه من زاوية وهو ينظر لي من زاوية أخرى ، وكأننا نعيش في دولة يتبعها شعب عظيم ، المدير بمثابة الرئيس والملك والحاكم ، وأنا بمثابة المعارض المنبوذ ، والمشكوك في أمره ، والمتمرد على سيده ، والخارج على القانون ، عندما كنت أجلس في غرفة الشعب ، وأتحدث عن الظلم الذي يمارس عليهم من قبل الحاكم " المدير " كان عامة الشعب يصفقون لي ويقولون أنت رجل الموقف ، أنت صادق فيما تقول ، نحن نعاني من التهميش والمحسوبية والواسطة والفقر والتمييز العنصري ، وعندما كنت أطالبهم بالثورة على الحاكم يبصمون ويؤيدون لفظًا وقولًا لا عملًا ، أذكر مرة طبعت ورقة عليها أسماء المعلمين جميعهم مُطالبًا منهم أن يوقعوا عليها لاجتثاث المدير من منصبه ، لكن تفاجأت بأنهم مرتجفون وخائفون ، لم استسلم وقتها ومضيت وحدي ، وغادر المدير عن طريق تنقلات لا علاقة لي بها وإنما بمحض الصدفة ، وورث المنصب المدير الراحل الأستاذ إبراهيم الوحيدي آنذاك ، لم يتعاون معه أحد ، وآخرين وقفوا تبرئة للعتب ، " كالرئيس محمد مرسي تمامًا " عندها جاء المعلمون يمدحونني يظنون أني قد نقلت المدير وحدي ، وتجمهر المعلمون خلفي وصفقوا ، وأنا أعلم في قرارة نفسي أنهم كاذبون ومُنافقون ومُدلسون ، ومرت الأيام تلو الأيام ، واحتدم الأمر بين المعارض والحاكم ، يا تُرى من ينتصر ، هل ينتصر المعارض الذي يسعى جاهدًا لنصرة الضعفاء ، أم ينتصر الحاكم الذي لم يسمع براوية للمعارض إلا من عامة الشعب الذين يقولون له أطال الله في عمرك وأبقاك الله ذخرًا لنا ،

 فمن الطبيعي أن يقوم المدير بقمعي ولكمي كون عامة الشعب رغم تضررهم يقفون معه ، والمصيبة من وراءه يقفون معي ، وفي أثناء الاحتدام وصلت الأمور إلى ذروتها حتى كادت تتجاوز كل المحظورات ، كل يوم أنتظر نهاية العام لأكتب اسمي في الكشف النقل المرفق من المديرية لأنتقل ، أذكر أن الأخيار تدخلوا آنذاك الأستاذ الفاضل و المناضل أحمد بالو نائب رئيس فرع عمان ومعه الأستاذ محمد الرقب عضو الهيئة المركزية لنقابة المعلمين الأردنيين ، دار حديث طويل أفرغت ما بجعبتي تجاه المدير ، وهو كذلك أفرغ ما بجعبته تجاهي ، ولم يسـء أحد منا إلى الآخر ، وقتها تمت المصالحة بين الحاكم والمعارض دون علم الشعب ، لن أنسى ذلك الموقف حين جاء إلي زميل مُذبذب ليقول أستاذ محمود العايد بما أنك معارض لسياسة الحاكم ، ولم تخش كلمة الحق يومًا ، قل للحاكم : كذا وكذا وكذا ، تبسمت على مسمع عامة الشعب وقلت له : أين لسانك ؟ هل ولدت اخرس أم أنه بُتر ؟ هل تظن لم أتلقن درسًا منكم ؟ تلك الشعوب تستحق هؤلاء الحكام ، وهؤلاء المعلمون يستحقون تلك المدراء ، في نهاية المقال ، المعلمون في الغربة ، وفي الوطن على نفس السجية ، وعندما تكن متميزًا بعلاقاتك أو أدائك أو حتى ألفاظك أو قل بلبسك ، بل قل بتسريحة شعرك ، أو قل أكثر من ذلك عندما يشعر زملائك بأنك متفوقٌ عليهم مجرد شعور ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، سيقاتلون لأجل أن تفشل بل حتى أن تنسف بل أكثر من ذلك أن تعدم ، لترتاح ضمائرهم ...!!!
المدير الفاضل أمين الرقب كل التحية والاحترام والتقدير ، عامين معك تعلمت فيهما ومنهما الكثير شكرًا لك ...!!!
بقلم : - محمود العايد
22/12/2014
1/3/1436هـ