تويوتا 'إدفش أولا' للشيخ أبو زنط ومناسف للمتظاهرين وعندما 'حك' مدير المخابرات أنفه على الجزيرة!
اخبار البلد- العالم لم يعد قرية صغيرة كما قال علماء الاتصال، بل (زنقة) ضيقة كما يقول عالم التواصل الأممي الأول الأخ العقيد القائد.
أمام الفضائيات المهتمة بالتأزم والجزيرة في المقدمة، دوما وقف عشرات الصحافيين الأردنيين في قلب العاصمة تحت لافتة عملاقة تقرأ لأول مرة في عمان وتقول (لا لوصاية وتدخل الأجهزة الأمنية بالصحافة).
.. في الأثناء ردد المعتصمون الهتاف المستنسخ التالي من تراث القذافي العصري (زنقة .. زنقة.. صحافيين مش كمنجة).. المقاصد هنا واضحة ومفرحة في الواقع، لكن مراسل الجزيرة المتحمس حسن الشوبكي لم يفوت الفرصة وقرر قفلة لتقريره حول الاعتصام المضاد للتدخل الأمني تنطوي على فائض من الدهاء والطرافة.
الشوبكي رغم ان اللافتة فوق المعتصمين واضحة لـ 60 مليون مشاهد يتابعون محطته قال للمستمعين بان الصحافيين يعترضون على تدخل المخابرات في عملهم، علما بأن اللافتة تقول الأجهزة الأمنية وهي متعددة في البلاد.
لكن الطرافة تجلت مع المشهد الأخير في التقرير التلفزيوني فقد ظهرت صورة مدير المخابرات السابق الجنرال محمد الذهبي خلال حفل استقبال رسمي وهو يحك بحركة عفوية أنفه الصغير مع كل الوسامة المعهودة في رجال المخابرات.
والرسالة يبدو لي أنها واضحة هنا وطريفة أيضا فآخر (حكة) لأنف الجنرال الشهير في بلادنا ظهرت على شاشة الجزيرة، حيث حك الجنرال أنفه وغادر موقعه بعدما نجح في دفع الأردنيين من شتى الأصول والمنابت، ليس فقط للحك ولكن للاحتكاك أيضا ببعضهم البعض وبكفاءة نادرة طوال الفترة التي أعقبت رحيله - نقصد الجنرال.
والرجل هنا أظهر قدرات نادرة على إنتاج (الحك الوطني) لأغراض حماية النظام والشرعية وإدامة الاستقرارا طبعا بنفس الأسلوب الذي تستخدمه الجزيرة أحيانا، فكل مواطن أردني وعربي أيضا يمكن منحه لقب (حكحك) من الطراز الرفيع، قياسا بمستويات الحك الشعبية التي تبثها وتصنعها الأجهزة الأمنية بالعادة، خصوصا عندما لا تخضع لأي رقابة كما يحصل تماما في بلاد العرب ولا أستثني بلدي.
تشبيرات الوزير
فعلها وزير الاتصال وشؤون الإعلام الأردني الزميل طاهر العدوان وخيب ظن الجميع، والغريب أنه فعلها كغيره تماما على شاشة الفضائية الأردنية، فقد جلس الوزير امام المايكروفون في مقر رئاسة الوزراء وخلع ثوب الصحافة والنضال والنقد وتحدث كالوزراء تماما.
اعتبر الرجل أن المحتاجين للمطالب هم الفقراء والجوعى أبناء المحافظات، وبعد حركة تلقائية عند الأردنيين عموما اسمها (التشبير) تقتضي تحريك الأصابع في الهواء لسبب غير مفهوم، أضاف العدوان: ينزل البعض في عمان ليشارك في مسيرة ويعطل السير ثم يغادر المكان بسيارته المرسيدس.
الإيحاء هنا واضح وهو أن مترفي عمان وأصحاب المرسيدسات هم الذين يحرضون الشارع ويقصد على الأرجح ليث الشبيلات.
المثير أن الضحية الأبرز لبلطجية عمان وأهم المحركين للمسيرات هو الكاتب الصحافي موفق محادين، صديق الوزير العدوان وأحد كتاب صحيفته 'العرب اليوم' وعلى حد علمنا يمشي محادين على رجلين، وفي المشاوير الأبعد يستخدم السرفيس، وفي أحسن الأحوال يركب سيارة مهكعة لأحد المتبرعين بتوصيله من الرفاق الكثر.
والعدوان يعرف كم يتقاضى المحادين من راتب بأمر منه شخصيا عندما كان رئيس تحرير، فيما ركب بعض (صبية) الصحافة مرسيدسات من أحدث طراز.
وشباب الحزب الشيوعي الذين يبيتون على الأرصفة أحيانا الآن يتوجهون لمواقع الاحتجاج بحافلات النقل العام، والسيارة التي يتجول فيها الشيخ زكي بن إرشيد أحد أقطاب المعارضة الذين يتحدث عنهم العدوان أقل وقارا وهيبة من سيارات العاملين في وزارة شؤون الاتصال.
تعليق العدوان يدفعني لاستذكار مشهد بالسياق، فقد كان الشيخ الشهير عبد المنعم أبو زنط يملأ الدنيا ضجيجا ويلقي خطبا يسمعها مئات الالاف، وعندما كان يمشي الرجل متجولا بين الناس لتحريضهم على التغيير مع الحفاظ على النظام قبل عقدين من الزمن، كانت سيارته تويوتا خضراء يعرفها أهالي عمان جيدا، لأنها كانت تتعطل دوما وتحتاج لدفشة وهي صالحة الان للمتحف فقط.
ويلح علي أن أسأل العدوان: لماذا تفترض ان من يستخدم سيارة مرسيدس أو لديه وظيفة محترمة ينبغي ان لا يخرج للشارع وأن لا يطالب بالإصلاح؟.. رأينا بأم عيننا فنانين كبارا ورجال أعمال في ساحة ميدان التحرير في القاهرة، لكن الزميل العزيز ينتقد ركاب المرسيدس، فيما يركب هو مرسيدس وزارية يكفي ثمنها لشراء حزمة مرسيدسات دفعة واحدة.
هل يحق للوزير امتطاء المرسيدس الفخمة ولا يحق لمن يطالب بالإصلاح ان يفعل ذلك؟
مرسيدس زفة العروس
.. مسلسل تشويه المسيرات ورموزها في عمان متواصل على طريقة سينما فلسطين، وسط العاصمة عمان، حيث تستطيع حضور سلسلة لا متناهية من الأفلام بتذكرة واحدة فقط وبإمكانك في زمن الأقراص والسيديات المبيت في السينما لصباح اليوم التالي على ان تحتمل روائح أشياء كثيرة تنبعث بالعادة في المكان.
وقد بدأ المسلسل عبر تشبيحات وحركات انفعالية لأحد النواب ظهرت على شاشة التلفزيون الأردني الحر والبائس دوما، يهدد فيها صاحبنا بنتف لحية الشيخ حمزة منصور الذي حضر بالمناسبة اجتماعات الأردن أولا بسيارة عواية من طراز إدفش أولا.
في نفس اليوم المشهود حصل ما يلي: حضر أحد النواب لمكان اعتصام حاشد وأمر سائق سيارته، وهي مرسيدس من أحدث طراز تستأجره العائلات الميسورة لزفة العروس، بشراء حقيبة خبز من المخبز المجاور ثم اعتلى بحركة تدلل على الرشاقة أسوار البرلمان ووزع أرغفة الخبز على مترفي المعارضة الذين يتحدث عنهم العدوان قائلا: تريدون خبزا .. هذا خبزكم هيا كلوا الخبز.
يذكرني صاحبنا بالزعيم الملهم القذافي عندما قال وهو يرتدي طاقية لا أحد يفهمها: أرقصوا وغنوا وامرحوا.
.. القصد كان واضحا من ظاهرة اللطم البرلماني في وجه المسيرات والاعتصامات وهو تقديم أدلة وبراهين للحكم والحكومة على الولاء والوفاء، لكن النتائج كانت عكسية، فالتهديد بنتف لحية حمزة منصور ثم توزيع الخبز بطريقة استعراضية على المعارضة انتهى باعتصامات أضخم في الأسبوع التالي وبأغنية وطنية عامة يغنيها الشعب الأن وينشدها: الشعب يريد إسقاط البرلمان.
وحتى تكتمل دائرة الاستعراض الذي أساء للدولة والنظام ورفع من سقف المسيرات ومطالب الإصلاح، حصل بعض بلطجية العاصمة على (دفعات نقدية) مقابل دورهم في تفعيل الولاء والحفاظ على الشرعية عبر تحطيم رؤوس ستة من المشاركين بإحدى المسيرات، فيما لا يدري أحد كيف سينتهي التحقيق في هذه القضية على يد وزير العدل المحامي حسين مجلي وسط التسريبات التي تتوقع تورط مسؤولين ليس من الدرجة الأولى بالقضية.
ثم خطب احدهم بالإسطوانة المشروخة إياها: إذا كان حب الوطن بلطجة فأنا أكبر بلطجي.. يستطيع هنا وزير الإعلام الأسبق الصديق نبيل الشريف ان يرد عليه بعبارته الشهيرة المقتضبة التي اعتاد على قولها أيام الوزارة (.. يا سلااام) .
لكن الحلقة الأطرف في هذا المسلسل هي تهديد نائب برلماني ثالث بتحريك مئات من أبناء عشيرته لإعاقة المسيرات التي تسيء للوطن وتطالب بالإصلاح، وبلغت الطرافة ذروتها باقتراح (لزيز) قدمه النائب المحترم للشعب الذي يحرك المسيرات قائلا: هذا هو جسر الملك حسين في الأغوار.. إذهبوا لهناك واقطعوا الشريعة!
طبعا صديقنا يقصد ان يتحرك الشعب باتجاه فلسطين وقد نسي أن المسيرات لا تطالب بتحرير فلسطين، فهذه مهمة صعبة في الوقت الحالي على الحكومة الأردنية، بل بإصلاح سياسي وخطط تصد للفساد .
ولأن الإيحاء يصلح للبسطاء والسذج يريد صديقنا النائب، وهو من أصل فلسطيني، الإشارة إلى أصل ومنبت من يحركون المسيرات، في محاولة سقيمة لكنه ينسى أن محركي وقادة المسيرات في غالبيتهم الساحقة من أبناء العشائر الأردنية الرئيسية الذين يطالبهم بالذهاب إلى فلسطين وترك وطنهم، في الوقت الذي يستطيعون فيه مطالبته هو بالذهاب إلى فلسطين والبقاء فيها، على الأقل إذا تنازل عن تحريرها ما دام ينظر لقمع حريات التعبير في الأردن ولا يريد الإصلاح السياسي، خصوصا ان المطالبين بالإصلاح من أبناء العشائر الأردنية يعتبرونه الطريق الأقصر للتخلص من المشروع الصهيوني وتحرير فلسطين.
ترانسفير معاكس
.. إنه باختصار ترانسفير مقترح على طريقة بعض نواب البرلمان الأردني يقضي بأن يتوجه إلى فلسطين كل مطالب بالإصلاح في الأردن على ان يجلس صاحبنا وأقرانه كالأيتام للاسترخاء في المملكة.
المثير إذا طبقنا النظرية سيتوجه الشعب الأردني برمته إلى نهر الشريعة الفاصل مع جار سلام الحكومات وسيبقى فقط من يعارضون الإصلاح وهم قلة .. بهذه الطريقة سنضرب عدة عصافير بحجر واحد، وهي القضاء ديمغرافيا على إسرائيل ثم صنع وطن بديل حقيقي هذه المرة، لكن في فلسطين وليس في الأردن، على ان يقتصر الوجود في الأردن على من يهدد بقمع المسيرات او بنتف لحية الشيخ حمزة منصور ومن قفز على السور لتوزيع أرغفة الخبز على المعارضة في مشهد بثته محطة العربية.
بهذه الحالة يستطيع رفاقنا في البرلمان الأردني الاسترخاء وحيدين في الساحة مع بلطجية عاطلين عن العمل، لأن الشعب رحل غربا، على ان يتمتعوا بانتخابات لن تكون مزورة، فيها ثلاثة مرشحين هم أنفسهم المقترعون .. أليست فكرة عبقرية؟
وفي الواقع مسلسل تشويه سمعة المسيرات والاعتصامات شارك ببطولته أيضا مسؤولون من الدرجة الخامسة وموظفون بائسون من ذلك الطراز الذي تنطبق عليه مقولة (أقرع ومصدي).
هؤلاء اختلقوا باقة من الأكاذيب على طريقة فضائيات حسني مبارك قبل سقوطه وخيم ميدان التحرير فقد سمعت أحدهم بأذني يقسم بأن ناشطي المسيرات ينامون مختلطين في الخيم الصغيرة على الأرصفة ويمارسون الحب وسمعت آخر يتحدث عن (مناسف) وطعام فاخر يقدم لهم .. الجماعة هنا يذكروننا بقصة (كي إف.سي) الوجبة الأمريكية التي كان يلتهمها ثوار ميدان التحرير، لكنهم اختاروا طبخة محلية لأغراض المبالغة والتمويه، فالوجبة الأمريكية إياها تعتبر أسوأ الوجبات في عمان، ولابد من ذكر المناسف لإبراز هول الجريمة حيث ينبغي لعناصر الحراك ولا نقول الثوار ان يأكلوا خبزا جافا او يموتوا جوعا ما داموا يطالبون بالإصلاح، فيما يستمتع النمامون بما لذ وطاب في سهرات بائسة تتسلى على سيرة الناس وتتآمر على الجميع ابتداء بالنظام كل ليلة.
مدير مكتب 'القدس العربي' في عمّان