محمد داودية يكتب : مفتي السلطان وشاعر الباذنجان

أخبار البلد -
 

(روى البخاري وابن حبّان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية) فصائل المسلمين الذين يقتتلون الآن ويقتل بعضهم بعضا في سورية والعراق واليمن وليبيا وسيناء وتونس والجزائر والباكستان وأفغانستان يدعي كل منها انه على حق، وانه يستند الى القرآن الكريم والى الحديث الشريف!! وكل الأطراف المتقاتلة عبر التاريخ الإسلامي التي سالت الدماء بينها انهارا ادعت انها على حق وانها تستند الى القرآن والسنة!!

نتأمل مقتل الصحابي عمار بن ياسر، اقرب أصحاب الرسول الكريم واعزهم عليه، واول سبعة اظهروا اسلامهم، في معركة صفين التي دامت قرابة 100 يوم بين جيشي علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان.

قَتل أبو الغانية الجهني من جيش معاوية، الصحابيَ ذا التسعين عاما، الذي قال فيه الرسول: "تقتلك الفئة الباغية" فارتعب عمرو بن العاص ابرز رجالات معاوية وهرع اليه معربا عن خوفه من انفضاض المسلمين عن جيشه بعد ان قتل جيشُه عمارَ بن ياسر، فحق عليه وصف الفئة الباغية.

قال معاوية لعمرو: انك شيخ اخرق، انما قَتل عمارا من القى به الى التهلكة وعليٌ هو من القى به الى التهلكة فعليٌ اذن هو من يقود الفئة الباغية.

تم الالتفاف على نبوءة الرسول- تقتلك الفئة الباغية- وجرى تحويرها وتفسيرها وفق هوى الطرفين المتقاتلين وما يخدم خطابهما الدعاوي وحججهم وخدع المسلمون بكلا التفسيرين المتناقضين ولم يتبينوا من هي الفئة الباغية حتى اليوم.

قتل في معركة صفين – سنة 657 ميلادية – نحو 70 الفا من المسلمين، لم يتحدث احد عن دمائهم التي ذهبت هدرا، ولم يحمّلها أيُّ عالم او مؤرخ لأحد الطرفين المتقاتلين، وها هم "العلماء" الذين يتولون الافتاء حسب الاهواء، يتركون نبوءة الرسول، "تقتلك الفئة الباغية"، معلقة في الفضاء وكأنه ليس بين المسلمين ايةُ فئة باغية، وهاهم العلماء الافذاذ يصفون انهار الدماء التي سالت في صفين بأنها "اجتهاد"، ينال أحد طرفيها أجرا واحدا اما الطرف الآخر فله اجران !!!! ولا تحديد حتى اليوم أيُّ الجيشين هو صاحب الاجر وايهما هو صاحب الاجرين!!

والمثير هو ان أفراد الجيشين في صفين ظلوا طوال الليل يقرأون القرآن ويرفعون صلواتهم الى السماء يصلّون ويدعون الله ان يمكّنهم من رقاب الطرف الآخر!! كانوا يقرأون القرآن نفسه ويتوجهون الى القِبلة عينها ويرفعون الاذان ذاته ويسلّمون ذات اليمين وذات الشمال فيرى كل فريق منهما الفريقَ الآخر، كان بينهم صحابةٌ وحكماء كثيرون لكن المفتين بوجوب "الجهاد" ما تركوا للاسلام، الذي عصم دماء المسلمين، ولا تركوا للعقل والحكمة سبيلا، كان في الجيشين المتقاتلين كوكبةٌ من كبار الصحابة والقيادات الدينية رضوان الله عليهم مثل: علي بن ابي طالب وعبد الله بن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو بن العاص ومحمد بن علي بن ابي طالب والوليد بن عقبة والاشتر النخعي والوليد بن عقبة وقيس بن سعد ومعاوية بن ابي سفيان (قائل: لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت !!؟).

يُحكى ان سلطانا تولّعَ بالباذنجان فكان شاعره يُدبّج القصائد في منافع الباذنجان ويتغزّل بشكله الاسطواني وبطعمه اللذيذ، فجاء يوم عاف السلطانُ الباذنجانَ وتوقف عن تناوله فاخذ الشاعر يدبّج القصائد في مضار الباذنجان فقال له الناس: كيف كنت تمدح الباذنجان ثم أصبحت تذمه؟ فقال: انا شاعرُ السلطان ولستُ شاعرَ الباذنجان.يتصارع المسلمون اليوم وهم مدججون بعشرات الفتاوى التي تسوّغ لكل فصيل منهم القتلَ والجريمةَ والضلالَ والإرهابَ والغلوَّ ويلقون بالشباب الى التهلكة كالحطب ولا يتبينون من هي الفئة الباغية.

في الباكستان قتل خلال السنوات الماضية بالتفجيرات الانتحارية وبالمعارك العبثية نحو 50 الفا وفي أفغانستان قاتل "المجاهدون الفلسطينيون" والعرب تحت إمرة السي آي ايه ضد العدو السوفييتي واهملوا العدو الصهيوني وفي سورية اقترب عدد قتلى الصراع العبثي الذي لا غالب فيه ولا مغلوب من 200 الف قتيل وفي العراق مذابح مذهبية يومية وفي ليبيا معارك اين منها معارك التحرير التي خاضها الشعب الليبي ضد الاستعمار الإيطالي بقيادة المجاهد الحقيقي عمر المختار وفي اليمن ذبح على الهُوية وتفجيرات على المذهب.

لا يتم – ولن يتم – تحديد من هي الفئة الباغية برغم مرور 1357 سنة على كارثة صفين، ما دام مفتي السلطان وشاعر الباذنجان، يحللان ويحرمان، حسب الهوى لا حسب القرآن.