الملك وحديث الجنوب عن السُنة
أخبار البلد - د. مهند مبيضين
في مضارب العشائر البدوية في الجنوب، تحدث الملك قبل أيام عن واجب الأردن تجاه السنة العرب في العراق وسوريا، حديث تخلله دعوة العشائر الأردنية للتأثير على امتدادها العربي في مصر والسعودية في مواجهة قوى التطرف والتشدد التي تهدد المنطقة. وكان هناك تركيز واضح عل امتداد عشائر الجنوب الأردني في سيناء، وهنا نذكر أيضاَ أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للأردن تخللها شيء من ضرورة الإفادة المصرية من التجربة الأردنية في العلاقة مع العشائر، وهي ضرورة ملحة لمصر في منطقة سيناء وغيرها.
«السُنة» لفظة مرت في حديث الملك، بخصوص أهلنا في العراق الذين يزيد عدد المشريدين منهم اليوم من السنة أكثر من خمسة ملايين، وهم في المنطقة الغربية من العراق وصولا لحمص في سوريا يزيدون عن عشرة ملايين نسمة وربما أكثر. والأردن بحديث الملك لا يستطيع أن يكون صامتاً على تطهير السنة وتهميشهم ولا ترحيلهم، وواجب الأردن برأي الملك دعم السنة وتمكينهم للحفاظ على وجودهم.
هكذا كانت رسالة الملك عن الدور الأردني، وهو دور لم ينفك من التحذير من «تشيع» المنطقة وتركها لإيران وحلفائها منذ أن أطلق تحذيره من تحول المنطقة لهلال شيعي، ولم يرق لكثيرين ذلك القول حينها، لكنه واقع تحقق في عهد رئيس الوزراء العراق المالكي إذ اطبقت إيران على العراق وسوريا وجنوب لبنان.
يقول شيخ عراقي سني «لم تجرؤ دولة عربية على استضافة مؤتمر العشائر السنة المناهضين لنوري المالكي، ونحن نقدر هذا الموقف»، لكن عمان احتملته، وهي التي كانت مقبلة على تعاون اقتصادي مع نوري المالكي ووعوده، التي اطلقها حين شعر بدنو حكومته من الأفول، لكن عمان لا تضع المكاسب الآنية فوق الهويات والعروبة وفوق الدور العربي الذي بني عليه الأردن وتأسس. وكان بوسع الأردن لو أنه يتقن الصفقات والبيوع أن يبيع نوري المالكي وايران موقفا مساندا، لكن هذا الأمر لم يعتاده الحكم في الأردن.
كان مؤتمر المعارضة العراقية الذي احتضنته عمان في تموز الماضي وبمشاركة ممثلين عن الجيش الإسلامي والحراك الشعبي والمجالس العسكرية والمجالس السياسية، لعدد من الجماعات العراقية المعارضة، وحزب البعث العراقي، وهيئة علماء المسلمين، وأكاديميين وإعلاميين وشيوخ عشائر وشخصيات مستقلة، بداية تحول في النظرة الإقليمية لضرورة الحل في العراق، وكانت النتيجة فيما بعد سقوط المالكي والمجيء بحيدر العبادي الذي فهم الدرس وقيمة عمان كبوابة للاستقرار في العراق وبوابة عبور لدول المنطقة السنية.
صحيح أن عمان لا تملك ترف الخيارات في علاقتها، لكن الملك عبد الله الثاني الذي يعرف مآل المنطقة ويدرك تأثير التطرف عليهأ لا يستطيع انتظار وصول قوى داعش للأردن، وفي الجنوب تحدث وسمع من أهل المنطقة عن أخطار داعش والتحاق بعض الشباب من تلك المناطق وغيرها بها وكذلك خطر المخدرات التي تنتشر، لكن الرسالة الأهم كانت أن الحديث عن العشائر السنة في العراق وسوريا كان من مضارب العشائر التي لا تنقطع اطلالة الملك عنهم، وهذا درس لكل قادة المنطقة بان لكل مجموعة بشرية خصوصيتها وخطابها الذي يجب ان تخاطب به.
هكذا بوسع الأردن أعطاء الدروس، وبرغم كل المطالب التي طرحت أمام الملك صغيرها وكبيرها، فإن الركب الهاشمي الذي بدأ قبل نحو قرن من تلك المضارب لتحرير المنطقة من هيمنة الترك، مستمر بذات الروح حتى اليوم للحفاظ على الهوية العربية للمنطقة.