الشباب والمواطنة الصالحة
وتسهم التربية الوطنية التي يكون مصدرها الأسرة بشكل كبير في إنتاج جيل من الشباب الذي يحلم به الوطن، فيتلقى الأبن منذ صغره حب الوطن من بيته وأسرته كما يتلقى أدبه وعلمه وأخلاقه.
ولكن تراجع دور الأسرة التربوي في الآونة الأخيرة كان له دور كبير في إنتاج جيل من الشباب المترهل غير المكترث لما يدور حوله، جل همه في هاتف محمول ومصروف في جيبه لتجده على طاولات المقاهي أو على أرصفة الطرق.
وعند محاولاتي الإحتكاك بالشباب المترامي على أرصفة الطرق وفي أزقة المدن لأكتشف مواضيع الحوارت التي يتناولونها، فإذا هم يتحدثون عن المباريات والفتيات وموضات الملابس وقصات الشعر والأظافر، ويرافق ذلك سيجارة بيد كل واحد منهم.
لقد تغيرت إهتمامات الشباب بشكل كبير وإنحرفت عن المسار الصحيح، فلا تجد في رأس الشباب سوى مباريات كرة القدم ومواقع التواصل الإجتماعي والصور الساخرة للواقع ومطاردة الفتيات على أبواب المدارس وفي مرافق الجامعات.
وغاب الحس الوطني عن الشباب غياباً تاماً – إلا من رحم الله – وحين تخاطب الشاب اليوم من أجل مبادرة أو فكرة تخدم وطنه وأمته يجيب: "وأنا ماذا أستفيد؟".
ماذا تستفيد؟ وما الذي إستفاده الكثيرون من الشباب الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم من أجل أوطانهم امثال وصفي التل الذي قضى في ريعانة شبابه لأنه حمل هم وطنه وأمته، واليوم لا زال أسمه يلمع في سماء الأردن كشاب وطني غيور على وطنه، وماذا إستفاد الآلاف من الشباب المصري والتونسي واليمني الذين سقطوا خلال الثورات؟ وما الذي جناه الشباب الذي يموت كل يوم في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا وهو يكشف صدره أمام دبابات عدوه من أجل وطنه ومقدساته؟.
ومن عوامل غياب الحس الوطني لدى الشباب اليوم إفتقار المواد التدريسية في المدارس والكليات والجامعات الى مواد وطنية تزرع في نفوس أبناءنا حب الوطن، وتتضمن بطولات الشباب المناضلين من ابناء الوطن وتأثيرهم في مجتمعهم وحفاظهم على قيمهم مبادئهم.
إن الشاب الوطني يفرض هيبته على من حوله بهندامه الأنيق وعقله الرزين وفكره المنير واخلاقه العالية وتصرفاته المدروسة بعناية وكلماته المنتقاة واسلوبه الشيق، لا من خلال التشبه بالآخرين والتقليد الأعمى الذي جرنا الى خيبات الأمل ودفعنا الى حافة الهاوية.
إن إهتمام الشباب اليوم بالموضات وتقليد الغرب بتصرفاته وزيه وقصة شعره واسلوب كلامه أو غناءه، ما هو إالا شكل من اشكال التخلف والرجعية التي فرضتها علينا العولمة، وصاحبها ضعف في الولاء للوطن، وتخل عن المبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد الحميدة.
إنني أدعو الشباب اليوم الى مراجعة أجندته، وتقليب أسلوب حياته أمام عينيه، وأن يضع نصب عينيه حب وطنه وأن يحمل في قلبه الوفاء لأمته العربية والإسلامية، وأن يتخلى عن كافة أشكال التقليد الاعمى والتخلف والرجعية.
كما أدعو صناع القرار في بلدي الحبيب والغالي على قلبي أن يراجعوا المواد والخطط الدراسية والمناهج، وأن يركزوا على التربية الوطنية الحسنة وأن يعملوا على تعزيز مبدأ المواطنة الصالحة بين أبناءنا.