ماذا يحدث للمسار السياسي في العراق؟
استندت خطة الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تقوده في مواجهتهما لتنظيم "داعش"، على مسار عسكري وآخر سياسي، لأن هناك قناعة تامة لدى الأطراف المعنية كافة، وبخاصة الولايات المتحدة، بأن أحد أسباب بروز "داعش" وقوته هو فشل الحكومة المركزية ببغداد في الاستجابة لحقوق سُنّة العراق، الذين يشعرون بعدم مساواة كبيرة، لا بل وباضطهاد من قبل الحكومة المركزية، ما شكل أرضية خصبة للانتصارات العسكرية المفاجئة التي حققها "داعش".
وإضافة إلى توجيه ضربات جوية لقوات "داعش"، فإن المسار العسكري ركز على توفير السلاح والتدريب لحكومة إقليم كردستان، وتدريب الجيش العراقي، وتقديم المساعدة الفنية له، فضلاً عن تدريب ما يسمى "قوات الحرس الوطني" في المناطق السُنّية، استنساخاً لتجربة الصحوات التي لعبت دوراً حاسماً في هزيمة تنظيم القاعدة سابقاً، لكن هذه المرة بهدف دمج هذه القوات لاحقاً بالجيش العراقي، أو أن تكون قوة تواجه التنظيمات المتطرفة.
وقد مثّل هذا تصوراً عسكرياً متكاملاً لمحاربة "داعش" وهزيمته. لكن حتى الآن، فإن ما تم تنفيذه يكاد يقتصر -بشكل أساسي- على توجيه الضربات العسكرية للتنظيم، وتدريب القوات العراقية، فيما لم يتم إحراز تقدم يُذكر على صعيد بناء قوات الحرس الوطني في المناطق السُنّية. لا بل أكثر من ذلك، برزت أصوات تقول إن تسليح العشائر يسير ببطء شديد، وإن الحكومة المركزية لا تستجيب لطلبات العشائر التي تواجه "داعش" بالتسليح والتدريب العسكري المتوقع. إن عدم انخراط السُنّة في الحرب ضد "داعش" سوف يُفشل جهود الولايات المتحدة والتحالف الدولي في محاربة التنظيم، لا بل وقد يمنحه قوة دفع جديدة.
ليس سراً أن التنظيمات الشيعية المسلحة تحارب "داعش" جنباً إلى جنب الجيش العراقي. والقائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ليس بعيداً عن هذه الحرب. وحكومة حيدر العبادي التي خلفت نوري المالكي، وهما من الحزب ذاته، ولدت بعملية قيصرية لم تنهِ نفوذ المالكي، لأنه ما يزال موجوداً في السلطة، ولا التأثير الإيراني على الحكومة العراقية، والذي كان جزءاً من المشكلة أيضاً.
إن تباطؤ حكومة العبادي في تسليح السُنّة ودعم إنشاء الحرس الوطني في المناطق السُنّية، قد يشي باستراتيجية العبادي غير المعلنة، التي تريد هزيمة "داعش" بشكل أساسي من خلال الجيش العراقي والتنظيمات الشيعية. وأنه لا يريد أن يتم تسليح السُنّة وإنشاء الحرس الوطني المتفق عليه، لأن ذلك سوف يقوي المناطق السُنّية عسكرياً، ويجعلها قادرة في المستقبل على تمكين السنة من محابهة الحكومة المركزية.
لم يخفِ العبادي ريبته وشكوكه وعدم ثقته بالسُنّة كشريك في بناء العراق، وبخاصة في لقاءاته مع المسؤولين العسكريين الأميركيين. وهذا قد يفسر تباطؤ الحكومة العراقية في تمكين السُنّة عسكرياً، خوفاً من التبعات المستقبلية على مستقبل العلاقة بين السُنّة والحكومة المركزية.
لا يختلف اثنان على أن المسار السياسي في العراق يمثل الدعامة الحقيقية، جنباً إلى جنب المسار العسكري، لهزيمة "داعش"؛ لأن غياب اندماج السُنّة في النظام الجديد، وشعورهم بالتهديد لهويتهم، كان أحد الأسباب التي ساهمت في تمدد التنظيم داخل العراق، وهزيمته لا تتم من دونهم.
لقد قوبل تشكيل حكومة العبادي بتفاؤل حيال قدرتها على إدماج السُنّة في العملية السياسية، والتخلص من سياسات المالكي الإقصائية. لكن يبدو أن ما حدث ليس تغيراً في المسار، وإنما هو مرتبط بالمصلحة الآنية والواقعية السياسية؛ فحكومة العبادي لم تبدِ حتى الآن أي تغير جوهري في السياسات السابقة، أو أن رئيس الوزراء العراقي غير قادر على التخلص من تركة الماضي وتأثير المالكي، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية.