صدمة المتهم بعد السجن أو البراءة؛ وقانون رد الإعتبار...؟!
عند وقوع جريمة، أو جنحة تتعلق بالشرف أو الأمانة؛ تقوم الأجهزة الأمنية المكلفة بالتحقيق، والوقوف على أسباب، وحيثيات الجريمة أو الجنحة، وبعد الإنتهاء من التحقيق؛ يرفع الملف الى المحكمة، وتحول الى القاضي المختص للتحقيق في القضية، الى أن يصدر الحكم بالعقوبة المنصوص عليها وفق القانون، فإما أن يكون الحكم مخففاً، أو شديداً؛ بالحبس أو الغرامة، وبعد تنفيذ الحكم يخرج المحكوم من السجن وقد نفذ الحكم أو دفع الغرامة بدل الحبس، وربما يحكم القاضي ببراءة المتهم مما أسند إليه من تهم. عملية التقاضي تخضع لعدة أمور لا بد لنا من أن نذكرها تالياً: - تحقيق المركز الأمني لا يعطي القضاء نتيجة نهائية عن الجريمة أو الجنحة، إذ لا بد من تحقيق آخر منفصل يجريه المدعي العام، ويستمع الى أقوال المتهم، وهنا؛ يمكن أن تتغير الأقوال، وتختلف اختلافاً كلياً عما جرى داخل المركز الأمني. حتماً سيقوم المتهم بالإدعاء على ضباط التحقيق واتهامهم بأنهم مارسوا عليه الضغط النفسي، والعنف الجسدي، وهذا وارد في أغلب القضايا. - ربما يكون المتهم اعترف أمام ضباط التحقيق في المركز، وأمام القاضي أنكر التهم المنسوبة إليه، عندها سيخرج من المحكمة براءة، وهذا وارد، وطبيعي، وهناك آلاف القضايا التي حكم فيها القضاء بالبراءة مع أن المراكز الأمنية حصلت على تجريم المتهمين بأساليب كثيرة معروفة لدى القضاء والشعب. قلنا أن المتهم بعد التحقيق معه، يسجل له في التحقيقات الجنائية قيد أو سجل جرمي، مع أن المتهم بريء الى أن تثبت إدانته، وعندما يحصل أي متهم على البراءة ويخرج من المحكمة بعد عملية التقاضي التي ربما تستمر الى أكثر من عام، ومع ذلك يبقى له سجل وقيد وسابقة جرمية مع أنه خضع؛ للبراءة من قبل المحكمة، أو؛ حُكم وشمله العفو الملكي ولم يسجن على الإطلاق، أو؛ شمله العفو الملكي وخرج ولم يكمل سنوات السجن، أي أنه خرج بثلث المدة. عندما يقوم المواطن بمراجعة أي دائرة رسمية أو غير رسمية؛ للتعيين، أو لاستكمال طلبات الترشح للانتخابات النيابية أو البلدية؛ يطلب منه وعلى الفور؛ عدم محكومية، لكن يجب مراجعة قسم الشرطة أو البحث الجنائي داخل المحكمة، وعند فتح الكمبيوتر الخاص بالتحقيقات الجنائية؛ يظهر السجل الجرمي أو قضايا وسوابق، مع أن المتهم خرج براءة، أو بثلث المدة، أو بالعفو الملكي، ومضى على البراءة أو تنفيذ العقوبة سنوات طوال، ربما تتجاوز 20 سنة، وعندما يسأل القاضي أو ضابط الشرطة عن القضية وسبب وجودها في الملفات وداخل أجهزة الكمبيوتر، يقولون له؛ إذهب الى القاضي وارفع دعوة رد اعتبار، ومهما كانت درجة الحكم فالأمر سيان عند الأمن العام..؟! لقد وقع المواطن بين فكي كماشة؛ خوفه وخجله من مراجعة الشرطة لأن هناك قيد أو صحيفة جرمية تنتظره في حال طلب عدم محكومية للتعيين، مع أنه ارتكب جريمة، أو جنحة في شبابه، وخلال لحظة طيش مر عليها عشرات السنين؛ وبين حاجته للوظيفة، وعدم قدرته على رفع دعوى قضائية لرد الإعتبار، لأنه يستحي من فتح ملف أسبقية حدثت قديماً، فيضطر الى البقاء بعيداً عن الشرطة والمحاكم، ويمكن أن يدفعه هذا الأمر الى السفر، ويخسر الوظيفة، وهناك حالات من عدم الإستقرار يعاني منها عدد لا بأس به من المتهمين، والمحكومين، بحجة رد الإعتبار. * ما هو رد الإعتبار بالقانون الأردني: هو منح المحكوم عليه بعقوية؛ فرصة لإزالة أثر الحكم الذي صدر ضده من المحكمة في المستقبل؛ فيسترد اعتباره الذي تأثر بالحكم المذكور، حتى يسهل عليه العودة إلى الاندماج في المجتمع، وحصوله على كافة حقوقه القانونية دون نقصان. شروط رد الاعتبار القضائي: - تنفيذ العقوبة المحكوم بها أو سقوطها. - مرور مدة زمنية لمنح رد الاعتبار. - استبدال الحكم بالغرامة المالية. تختلف الجرائم والجنح عن بعضها بعضاً، إذ لا يجوز أن نشبه القاتل، أو السارق أو تاجر المخدرات، أو الإرهابي بالسائق الذي ارتكب مخالفة، أو ارتكب حادث تصادم أو دعس شاباً، أو تشاجر مع غيره، لا يمكن أن نساوي بين الجريمة الكبرى والصغرى، بين المخالفة والجريمة، بين حادثة عرضية، وخطأ غير مقصود؛ لكن يعاقب عليه القانون، وبين جريمة قتل، أو تهريب مخدرات أو عمل إرهابي. المشكلة أن نظام السجون لدينا لا يفرق بين الجرائم بالمطلق..؟! على البرلمان، ومنظمات حقوق الإنسان، ووزارة العدل، ومديرية الأمن العام اتخاذ إجراءات فورية، وتشريعات من شأنها وقف هذه المهزلة التي تسمى قانون رد الاعتبار، والتفريق بين المجرم الحقيقي الذي يرفض أن يكون عامل بناء في المجتمع، ويصر على أن يبقى من عوامل الهدم والتخريب، وبين من يرتكب جنحة أو جريمة غير مقصودة، أو تحمل مسئوليتها، ونفذ العقوبة، أو صدر بحقه عفواً ملكياً، وخرج الى المجتمع ليواصل عملية البناء، وأصبح مواطناً صالحاً من المؤسف جداً أن تبقى مديرية الأمن العام تحتفظ له بسجل جرمي لجريمة نفذ عقوبتها، أو دفع غرامة مالية لاستبدال العقوبة، ويريد أن يعيش بكرامة دون أن تطارده عيون الآخرين. كثير من الموظفين فقدوا وظائفهم بسبب حماقة موظف، أو رجل أمن أرسل بالصحيفة الجرمية الى صاحب العمل، مع أن الجريمة أو الجنحة نفذت منذ عشرات السنين، أو صدر بحقها العفو الملكي، أو براءة تامة واندمج صاحب السجل الجرمي في المجتمع وأصبح مواطنا صالحاً، لكن قانون رد الإعتبار كان له بالمرصاد. ما ذنب المتهم الذي حصل على براءة أن يبقى له ملف، وبصمات، وسجل جرمي أو أثر للقضية في أرشيف التحقيقات الجنائية، ومن يقوم بتعويضه في حال وقع عليه خطأ فادح بسبب هذا السجل.