الأردن يبلع اللاجئين!
في ندوة متخصصة عقدت مؤخرا في عمان، نقلت وسائل الإعلام عن مسؤول ملف اللاجئين في وزارة الداخلية قوله أن اللاجئين في الأردن، من مختلف الجنسيات، يشكلون 45 % من السكان. اكتفى المسؤول بالنسبة الإجمالية، ولم يعرض أرقاما تفصيلية. لكن نصف هؤلاء تقريبا هم من السوريين، والنصف الثاني يتوزع على الجنسيات الفلسطينية والعراقية والليبية واليمنية. ولا نعلم إن كان المسؤول شمل في حسابه العمالة الوافدة، المصرية منها على وجه التحديد؛ ففي هذه الحالة يصبح الرقم منطقيا، وربما صادما للكثيرين.
تظهر دراسات سكانية أن الأردن من بين أكثر البلدان في العالم قدرة على دمج اللاجئين في بنيته الاجتماعية. فعلى مدار العقود الماضية، استقبل الأردن عدة موجات من اللاجئين، ومن مختلف الجنسيات العربية وغير العربية. وانخرطوا جميعا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من دون صعوبات كبيرة. بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة انتفاء أشكال التمييز، كما الحال في مجتمعات معاصرة وأكثر تحضرا من المجتمع الأردني.
لكن الحاصل في الوقت الراهن أن موجات اللجوء أكبر من مثيلاتها في التاريخ الأردني؛ من حيث الأعداد، وفترات اللجوء القياسية. لقد زاد عدد سكان الأردن بنحو 20 % في غضون سنتين تقريبا، وهي نسبة أكبر من طاقة المجتمع والدولة على هضمها.
ولهذا، يخشى باحثون وسياسيون أن تقوض الهزات الديمغرافية المفاجئة استقرار المجتمع، المسكون أصلا بالخوف من تبعات اللجوء، والفوضى في دول الجوار.
ومن بين التحديات التي تواجه السلطات وقادة المجتمعات المحلية في هذه المرحلة، تعزيز قيم التعايش بين السكان واللاجئين في البلدات الصغيرة والأحياء داخل المدن الكبيرة وفي الضواحي، التي تشهد حضورا لافتا للاجئين يفوق في بعض الأحيان أعداد السكان الأصليين في تلك المواقع.
الخبر الجيد بهذا الخصوص أنه لم تقع، لغاية الآن، صدامات أهلية واسعة النطاق بين المجموعتين السكانيتين. لكن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وشح الموارد والوظائف، فمن غير المستبعد أن تبرز نزعات عدوانية تجاه اللاجئين، وتأخذ أشكالا خطيرة.
وعادة ما يواجه اللاجئون صعوبات في التأقلم خلال المرحلة الانتقالية. لكن مع مرور الوقت، تتلاشى الفروقات، وينخرط "الغرباء" في البنية المحلية للمجتمعات.
لقد مر المجتمع الأردني بمراحل انتقالية مشابهة في تاريخه. وحاليا يمر بفترة انتقالية عاصفة، بسبب حجم اللجوء هذه المرة، وسيحتاج لبعض سنوات قبل أن يتجاوزها.
وأعتقد أنه مع بداية العقد المقبل، ستبدأ ملامح المجتمع الجديد بالتشكل. العراقيون الذين قدموا إلى الأردن في عقد التسعينيات على سبيل المثال، واستقروا بشكل نهائي، هم الأقرب إلى الاندماج الكامل في المجتمع حاليا، واكتسبوا شروط المواطنة باستثناء الجنسية والحقوق السياسية، مع أن العديدين منهم نالوا الجنسية.
هناك بلا شك قوى وأصوات تقاوم مثل هذا الاندماج، لاعتبارات تتعلق بالهوية. لكن، وكما حصل في الماضي، فإن تلك الأصوات ستخبو مع الزمن، وستفرض الوقائع نفسها على الجميع.
تشير تجارب اللجوء في العالم كله إلى أن نصف اللاجئين تقريبا لا يعودون إلى ديارهم بعد استقرار الأحوال. وكلما طال أمد الأزمات، تتراجع الآمال بالعودة، وتتغلب الرغبة في الاستقرار على حنين العودة للأوطان. هذا ما سيحصل مع معظم اللاجئين السوريين والعراقيين.