"الإخوان" والتغيير!
كشف رئيس مجلس الشورى في جبهة العمل الإسلامي، عبدالمحسن العزام، عن توجهات مهمة حملتها استراتيجيات الحزب الأكبر في المملكة للسنوات الأربع المقبلة. وأهم هذه التوجهات/ الاقتراحات هي زيادة نسبة تمثيل الشباب والمرأة، وانتخاب أمين الحزب عبر المؤتمر العام.
هذه التوجهات، التي تضاف إلى اقتراحات أخرى حول النظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين، تشي بوجود قناعة بضرورة المراجعة والتفكير النقدي الذاتي لمسيرة الحزب والجماعة على السواء. وبالرغم من أنّها في المجمل إيجابية، إلاّ أنّها ما تزال قاصرة، وتحتاج إلى جرأة أكبر وشجاعة أكثر في النقد الذاتي الداخلي، وعدم الالتفات إلى سيمفونية "الخشية من جلد الذات"، التي يتقن بعض "الإخوان" عزفها، لتحجيم مستوى المراجعات والنقد والحرص على التطوير.
خلال الأعوام القليلة الماضية، جرت مياه كثيرة تحت الأقدام، داخلياً وإقليمياً. ووجدت جماعة الإخوان المسلمين نفسها بين لحظات متناقضة؛ في ذروة الصعود ثم أقصى الاقصاء، بين سدة الرئاسة وأعواد المشانق والمعتقلات، وفي الداخل حالة من التمّزق بين التيار الأيديولوجي والواقعي، الديمقراطي والمحافظ، الحكيم والمتهوّر..
بالفعل، هي فترة حساسة، تتطلب مراجعة عميقة ودقيقة وكبيرة من قبل الجماعة في الأردن. وهي لا تعاني من ضغوط حقيقية، كما هي الحال في مصر ودول أخرى. وخارج اللعبة السياسية، لتعيد النظر في كل ما جرى وتدير عصفاً فكرياً كبيراً داخلياً، لتراجع مسيرة الجماعة في الداخل وفي المنطقة.
ثمة تحديات هائلة أمام الجماعة، في مقدمتها، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، التماسك الداخلي؛ ليس فقط على صعيد التنظيم والهيكل العام، وموضوع "زمزم" والخلافات غير المسبوقة بين أجنحة الجماعة ونخبها القيادية، بل حتى على صعيد الانسجام والاتساق فيما تطرحه الجماعة من برامج ورؤى سياسية وإصلاحية، حول هوية الجماعة وأولوياتها، وقدرتها على التوافق والتفاهم على برنامج جديد واقعي يدشّن انطلاقة جديدة لمشروع الجماعة والحزب، وفي سياق ذلك طبيعة العلاقة بينهما؛ إشكالية الدعوي والسياسي، التي ما تزال مربكة للطرفين معاً.
ومن التحديات، كيف يمكن مواجهة الأجندة الإقليمية الراهنة التي تضع الجماعة في خانة الإرهاب والتطرف؟ وما هي الدروس المستفادة مما حدث في مصر؛ فمع اتفاقنا معهم بأنّ ما حدث هو انقلاب عسكري، وأنّ القصة ليست الجماعة بقدر ما هي ممانعة التغيير الديمقراطي، ومع الإقرار بحجم التضحية الكبير الذي بذلوه في مواجهة تداعيات الانقلاب والكلفة الإنسانية الباهظة، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ الجماعة لم ترتكب أخطاءً كبيرة، ولا يعني كذلك أن مشكلتها فقط مع الدولة وليس مع الشارع الذي وقع في حالة من الانقسام الشديد، فما العمل؟ وما هي البدائل والخيارات المطروحة للخروج من حلقة مفرغة مقفرة بلا أي نتيجة أو آفق جديد؟!
الفكر المتطرف وانتشار الاتجاهات الراديكالية، هو تحدّ لمشروع الجماعة الإصلاحي، وقدرتها على إقناع الشباب والأنصار بالتمسك بالخيار الديمقراطي مهما كانت النتائج، كما قدرتها على رأب الصدع الكبير بينها وبين القوى السياسية الأخرى، وتقديم رسائل مقنعة عميقة بشأن الحريات الفردية والأقليات والمرأة والحريات العامة.
ما يزال هناك من يصرّ على أنّ الجماعة ليست بحاجة إلى مراجعة الذات، ولا إلى إعادة النظر في خطابها وبرامجها، بل سرعان ما يتم الهجوم والتشكيك بأي دعوة داخلية أو حتى خارجية بهذا الشأن!
على النقيض من ذلك؛ ما حدث في المنطقة كفيل بإحداث انقلاب كبير وثورة داخلية هائلة في أي تنظيم، للمراجعة والتقييم والتطوير. وهذا ليس جبناً أو ضعفاً، بل هو مصدر القوة والثقة بالنفس. فالإخوان أمام خيارين؛ إما ولادة جديدة وتغييرات بنيوية، أو الجمود على الخطاب الذرائعي والتقوقع والانقسامات الداخلية!