بين مطرقة السياسة وسنـدان الشـارع


ما ان تأجّل اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله من الجمعة الى الأحد بعد استشهاد زياد ابو عين، حتى تعددت الاجتهادات السياسية والاعلامية لهذا التأجيل، فما أعلنته السلطة الوطنية هو ان جنازة الشهيد وطقوس العزاء تستوجب احترام الرجل وهذا سبب التأجيل فيما قال آخرون، ان قرار فك الارتباط مع اسرائيل حول التنسيق الأمني ليس سهلا، وثمة ضغوط عربية ودولية من اجل استمراره، اما القراءة الاسرائيلية لهذا المشهد فقد تفاوتت بين تصريحات رسمية رأى اصحابها ان السلطة الوطنية هي المستفيد الأكبر من هذا التنسيق، وبين ما كتبه معلّقون منهم تسفي بارئيل الذي رأى ان السلطة الفلسطينية تعاني من ضغط مزدوج، فالشارع وبعض القادة في السّلطة يضغطون باتجاه وقف التنسيق .

هكذا اذن تجد السلطة نفسها بين مطرقة السياسة وضغوطها وحساباتها البراغماتية وبين سندان الشارع الملتهب الذي يطالب بتصعيد المواجهة مع الاحتلال حتى لو ادى ذلك الى انتفاضة ثالثة، لهذا فالسلطة الفلسطينية في موقف لا تحسد عليه، لأن لديها حسابات سياسية بالغة التعقيد، وتبحث عن صيغة يمكن من خلالها ارضاء الشارع الفلسطيني ولو بالحد الأدنى واستمرار التنسيق الأمني لكن بطبعة مختلفة.

وفي مثل هذه المواقف والمناسبات غالبا ما يحدث اشتباك يصعب فكّه بين العقل والقلب وبين الحسابات السياسية والتفكير الانفعالي الذي يبرره حدث جسيم كاغتيال الوزير والاسير السابق زياد ابوعين !

وقد يدفع السلطة الى التردد وضرب الاخماس بالاسداس قبل اتخاد قرار حاسم بوقف التنسيق الأمني تصاعد وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية سواء من خلال ضغوط برلمانية كان آخرها ما حدث بالبرتغال وبلجيكا او لأسباب تتعلّق بما يجري في الإقليم .
لقد مرّت مواقف عديدة مشابهة لاغتيال زياد ابوعين وعانت السلطة خلالها من ثنائية المطرقة السياسية وسندان الشارع، وغالبا ما وجدت صيغة تسمح بتأجيل اتخاد القرار، وحين قال الرئيس عباس، ان كل الخيارات مفتوحة امام الفلسطينيين قرأ البعض هذا التصريح على انه تراجع من الرئيس عباس عن موقفه التقليدي ضد عسكرة المقاومة، ويبدو ان النوايا هي ما يتحكم بالقرارات او ما يسمى التفكير الرغائبي بحيث يرى كل طرف ما يريد او يشتهي ان يكون في هذا التصريح او ذاك .

لقد جاء اغتيال زياد ابوعين في توقيت لن يكون لصالح اسرائيل، لأنها بما اقترفته على مرأى من العالم كله قدمت صورتها القبيحة كما هي والتي فشلت في اخفائها تحت مختلف مساحيق التجميل الدبلوماسية !