«رؤية» الملكة رانيا تطرح هذه الأسئلة الكبرى
أخبار البلد - خالد فخيده
تنهض جلالة الملكة رانيا العبدالله هذه الايام لتكريس جهدها وفكرها ورؤيتها تجاه حماية الابناء والاجيال القادمة من التطرف والارهاب، بصفتها «أماً» قبل ان تكون ملكة.
وخطر الثقافة العمياء التي يصد بواسل الجيش العربي اصحابها عن اختراق الاردن وتتشابك كافة مؤسسات الدولة لمواجهتها بثقافة الحوار واحترام الرأي الاخر والتشاركية في البناء والتطور من اجل مستقبل افضل، كان واضحا حراك الملكة في مواجهته عبر دعوتها للمعلم خلال فعاليات ملتقى مهارات المعلمين الأول في الوطن العربي الذي عُقد في منطقة البحر الميت بان يرتقي بنفسه ليكون قدوة حسنة لطلبته بدلا من ذهابهم الى المجتمعات الافتراضية للبحث عنها.
وهذا الارتقاء من وجهة نظر الملكة يحتاج الى مهارات وخبرات جديدة تخلق من المعلم حالة تعليمية واجتماعية وتؤهله بان يكون بموازاة تأثير الشبكة العنكبوتية ومواقعها الالكترونية على اختلاف تصنيفاتها بما فيها التواصل الاجتماعي.
ولقناعة جلالتها بان الاجيال السوية تبدأ صناعتها من الاسرة والمدرسة، فقد نبهت خلال افتتاحها لفعاليات الملتقى، والذي انتهت اعماله مؤخرا، إلى أن المعلم لم يعد ناقلا للمعلومة وانما خبير وموجه يرشد الطلبة الى المصادر والتجارب ويحثهم على الربط والبحث ويحفز عقولهم على السؤال والاستنتاج لاشعال فتيل حصولهم على المعرفة.
والخروج من الاسلوب التعليمي التقليدي الذي يرتكز على التلقين الى ذلك الذي يغذي المخزون المعرفي للطالب بالمعلومات ويمكنه من التجديف بثقافة النور التي تؤسس فيه اخضاع كل شيء للحقيقة وتؤهله لحل ازماته بالحوار وامتلاك وجهة النظر والرؤى لتكون سلاحه في مواجهة صعاب الحياة وتحدي الظروف من اجل حياة افضل على كافة الصعد.
وهذا الحال لا يمكن الوصول اليه في التعليم المدرسي الاردني ان لم يكن لدى المعلم ارادة وقابلية لتطوير نفسه بصفته المحرك الرئيس لعملية دوران المعلومة والسلوك في المجتمع».
والملكة اختصرت اهمية المعلم في جملة قالتها خلال تدشينها الملتقى « اذا توقف المعلمون عن الدوران والتطوير توقفت العملية التعليمية بأكملها، خصوصا في عصرنا هذا. عصر إن لم نواكب فيه الركب لعالمي وتطوره السريع سنبقى على هامش الطريق متفرجين».
وامام 700 تربوي من الاردن والوطن العربي، قزمت جلالتها الخوف والقلق من التكنولوجيا عند المعلم بتأكيد جلالتها على ان تأثير المعلم اقوى من كل تلك الشخصيات التي يقدمها الانترنت لابنائنا.
فالعلاقة بين الطالب والانترنت تبقى افتراضية ما لم يتقدم المعلم بشجاعة وبصدق لكسب ثقة هذا الطالب والتقرب اليه وفهم حاجاته النفسية.
واذا تمكن المعلم من تحقق ذلك فانه سيتمكن من تسخير الشبكة العنكبوتية لمصلحة الطالب في انتقاء ما يفيده وبناء الذات والاعتماد عليها. وبمقارنة سريعة، الطالب يقضي ثلث يومه مع المعلم في المدرسة .
واذا كان الثلث الثاني يقضيه في النوم، فان ما تبقى له من وقت لا يتيح له الجلوس على الانترنت الا ساعات قليلة لانه سيبحث عن ممارسة نشاطاته وهوايته مع اقرانه سواء في لعبة رياضية او الكترونية او نشاط لا منهجي اخر.
لا شك ان استسلام المعلم في فترة ماضية لـ مارد الانترنت، ذهب بالكثير من الطلبة الى المجتمعات الافتراضية للبحث عن ذاتهم، فتشكلت سلوكيات في المدارس ومن ثم في الجامعات أدخلت المجتمع الى الغرف المغلقة والقاعات المفتوحة للبحث في مسببات ما جرى، وخرج بافكار وبرامج للتجديف بالعلم نحو المعرفة التي هي السلاح الامثل الذي يستطيع الطالب استخدامه في مكافحة كل السلوكيات التي تضر بالمجتمع، وشق طريقه التي تجعله اضافة لمجتمعه في مراحل حياته المقبلة.
والجميع سمع الملكة رانيا وهي تقرع الجرس في اكثر من مناسبة، وسؤالي لماذا هذا البطء في الانتقال من عالم التلقين الى عالم المعرفة، فهل الامر له علاقة بانشغال نقابة المعلمين في امور سياسية على حساب تطوير المعلم وتمكينه اكثر من المعرفة لايصالها الى الطلبة باسلوب علمي حديث، ام ان مساقات التأهيل في الجامعات لا زالت في «خبر كان» من كل هذه الدعوات التي تريد ان تجعل من المعلم قدوة ومرجعية اساسية لابنائنا الطلبة؟ وهل وزارة التربية والتعليم تأخذ بتوصيات جلسات العصف الذهني للارتقاء بالتعليم المدرسي لتطوير المناهج وكذلك المعلم الذي يفترض ان يكون مقلتي عينيها، حتى لا تجرفه السياسة بعيدا عن رسالته الانسانية والنبيلة. والاهم من ذلك اين تلك العلاقة ما بين الاسرة والمعلم (المدرسة) التي من شأنها ان تعبد طريق التعليم الى الهدف الذي يتطلع اليه الجميع.
لن نختلف مع امير الشعراء احمد شوقي بقوله «قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم ان يكون رسولا». ولكن لا ننكر ان تعامل فئة كبيرة من المعلمين مع هذه المهنة بانها «وظيفة» جعل بيت الشعر هذا يفقد ابرز ما ارتكز عليه، وهو ان الرسول انسان ويضحي من اجل نور وازدهار الامة.