الحوار مأزوما
ثمة تشكيلة متنوعة في لجنة الحوار الوطني، بما يعكس الألوان السياسية والأيديولوجية المختلفة في المشهد الوطني؛ ما هو قديم ورسمي وجديد وغير رسمي، وهي محاولة من الحكومة لأن تكون اللجنة جامعة لأغلب الطروحات الحالية.
من الصعوبة بمكان في مجتمع "انشطرت" فيه الآراء وتشتتت فيه الاتجاهات إلى كسور عشرية، أن تحصل الحكومة على إجماع كامل على الأسماء، لكن المهم هو الوصول إلى وفاق وطني عام على المخرجات التي ستقدّمها اللجنة، ما سيساعد لاحقاً على تصويب بؤرة الحوار السياسي في كيفية تطوير قواعد اللعبة والوصول بها إلى أفضل الممكن.
لم تكن الطريقة في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين مقنعة ولا مفيدة، بل كانت الرسالة المترتبة عليها سلبية. شخصياً لا أعرف ما حدث في الكواليس بصورة دقيقة، لكن في ظني أنّ شروط الإخوان المسبقة كان يمكن الحوار عليها، والوصول إلى تفاهمات، بدلاً من اللجوء إلى تسمية أعضاء، من دون الموافقة المسبقة من الجماعة، ومن ثم انسحابها من اللجنة أو تعليق العضوية فيها.
مع أنّ انسحاب "الإخوان" ليس بالمقدّمة المشجّعة على عمل اللجنة، لكن القلق الأكبر يأتي من الفجوة التي تفصل بين حركة الدولة وسرعة إنجاز المهمات، في مقابل خطوات أسرع من الشارع وسقف مطالب وتوقعات يرتفع يوماً بعد يوم.
ما يزيد من "المأزق" أنّ عمل اللجنة لا يأتي ضمن ظروف إيجابية منفتحة، بل في سياق حالة من تعارض الأجندات والأولويات و"التفتت" بين مجموعات وقوى مختلفة، لا نعلم تماماً حجم حضورها وتأثيرها في الشارع.
نحن، اليوم، ندفع ثمناً باهظاً لتأخر الإصلاح السياسي إلى هذه المرحلة، إذ غابت التقاليد السياسية في فرز قيادات وطنية تمتلك شرعية الإجماع والإنجاز، وغياب أحزاب سياسية متنافسة لها رصيدها الشعبي، ومجتمع ليس منظماً ضمن أطر سياسية ومدنية واضحة ناضجة. تُعزّز ذلك شكوك حول "النوايا"، وليس فقط التوجهات أو القرارات الرسمية.
ثمة "ظلالٌ رمادية" تحيط بالرأي العام الأردني نفسه، إذ إنّنا لا نملك بيانات دقيقة وثابتة حول أحجام الرؤى السياسية وميول الأغلبية الشعبية. إذ من الواضح أنّ العناوين الرئيسة التي يتحدث فيها الشارع تتمثل بالهموم الاقتصادية: الضغوط اليومية، الجوع، الفقر، البطالة، الحياة الكريمة المحترمة، الشعور بالأمن الاقتصادي والاجتماعي بالدرجة الرئيسة.
والجديد في الأمر أنّ المزاج الشعبي بدأ يربط "المعاناة الاقتصادية" بفشل إدارة الحياة السياسية، وبأخطبوط الفساد، وضحالة الثقة بطبقة المسؤولين، ومصداقيتهم أو أهليتهم السياسية.
ذلك يجعل من المزاج الشعبي في حالة سلبية ومتشككة، يدرك تماماً أنّه يريد التغيير، ويمسك بعناوين عامة، لكنه بالضرورة يختلف على الوجهات والأولويات والتفاصيل، ما يخلق أجواء متشنجةً، ويرفع من وتيرة القلق حول القدرة على الخروج بتوافقات أو وصفات مقبولة شعبياً لإعادة هيكلة اللعبة السياسية.
بالضرورة، فإنّ هذه المعطيات التي تحيط بعمل اللجنة تجعل من مجرد التفكير في فشلها أمراً مقلقاً للغاية من ناحية، ويدفعها من ناحية أخرى أن ترفع سقف مخرجاتها لتكون قادرة على تقديم إنتاج مقنع للرأي العام، ما يحدّ كثيراً من المستوى الحالي للأزمة السياسية.
في ضوء ذلك، فإنّ "الفرصة" لم تفت تماماً للاستدراك في تشكيلة اللجنة، وهي مسألة لا يجوز أن تكون قطعية أو نهائية، ويمكن إعادة فتح القنوات مع "الإخوان"، وإجراء بعض التعديلات، وترك الباب مفتوحاً.