مراجعة وطنية شاملة
كثيرة هي الامور والمعطيات التي تجعل من انجاز مراجعة وطنية شاملة حاجة ملحة. لا نتحدث هنا عن حالة من التشاؤم كما يحلو لبعضهم تسميتها لكننا نعتقد ان تقويم المرحلة السابقة بتجرد قد يكون عاملا اساسيا في تحديد وجهة ومسار الامور في المرحلة المقبلة.
الاعتراف بالخطأ ليس عيبا على العكس تماما فهو حاجة مستمرة لمعالجة الاخطاء السابقة وتجاوزها مستقبلا. فشل السياسات الاقتصادية والتنمية المحلية، والاخطاء في تطبيق السياسات المجتمعية الناجعة التي ادت الى تهميش فئة كبيرة من الشباب الاردني وتعزيز سياسات التطرف وسيادة الطيف الواحد.
لسنا بحاجة لكثير من الدراسات لندرك حجم المشاكل الموجودة، فالمشاكل باتت تواجهنا في كل تفاصيل حياتنا، مع ذلك ما زالت المدرسة غير الواقعية تسيطر على معظم تفاصيل مشهد التنمية والمشروعات الاقتصاية. لست ممن يدّعون فهمهم العميق لاقتصاديات السوق، والتحولات العالمية في مفاهيم التنمية، لكنني اعتقد ان كثيرا من تفصيلات حياة الاردنيين ليست بحاجة لكل هذه التعقيدات. نحتاج اليوم لمشروعات تنمية نابعة من الواقع الاردني، تولد من رحم معاناة الاردنيين وحاجاتهم الحقيقية. كثيرا ما نلتقي شبابا اردنيين يحملون تفاصيل مشروعات تنمية حقيقية، زراعية او صناعية صغيرة وبسيطة لكنها تُغتال وهي في طور الفكرة بسبب غياب التمويل او صعوبة الاجراءات، بينما يصر عرّابو السياسات الدخيلة على انفاق الملايين على المبادرات الوهمية والمشروعات النظرية والملايين التي صرفت ومازالت تصرف على اوهام لم ير منها الاردنيون اليوم الا العناء، وارتفاع المديونية وابداع اختراع الضرائب حتى بات الاردني يشعر انه مستهدف بكل شيء يقوم به، وان كل ما جرى وما يجري ما هو الا طرق من طرق التذاكي التي تنتهي دائما بانموذج من نماذج "الجباية".
جانب اخر من المراجعات يجب ان يشمل البيروقراطية المقيتة التي تحولت لحالة منفرة وهاضمة للحقوق. كثير من المواطنين باتوا يتنازلون عن حقوقهم والسكوت على الظلم الذي يصيبهم بسبب عدم قناعتهم بجدوى الشكوى او خوفهم من البيروقراطية القاتلة. عداك عن تردي الخدمات وشعور الانسان بانتهاكه في معظم تفاصيل حياته، من وضع التعليم المدرسي الى المستشفيات الى البنية التحتية والخدمات وحتى اسلوب تخطيط المدن وانكارها حقوق مواطنيها.
لسنا هنا في صدد تعداد معالم الفشل وكتابة لائحة طويلة من المشاكل، بل بصدد البحث عن حلول لكثير من المشاكل المتفاقمة واهمها، شعور الاردني بقيمته في السياسات والممارسات.
المراجعات المطلوبة لم تعد ترتبط فقط بشعور الاردنيين بحاجتهم لها، فهي مطلب أساسي من متطلبات مسيرة المستقبل.