نشبع المخطئ ذما ويحيا الخطأ
حادثتان في الآونة الأخيرة القتا الضوء على وضع المرأة في المجتمع الأردني بالرغم من كل ما نتغنى به من مكانة مرموقة نزعم أن المرأة تحتلها في المجتمع. ما معنى ان ندعي ان الأردن يحترم حقوق المرأة ويوقع على مواثيق واتفاقيات دولية، بينما تمارس مؤسستان من أهم مؤسساتنا تمييزا سافرا ضد المرأة دون أن يحدِث ذلك أكثر من بعض التهكمات على المواقع الالكترونية أو قلة من المقالات الناقدة؟ تصوروا مثلا لو ان سيدة في مجلس النواب صرخت في وجه نائب ذكر طالبة منه الجلوس او منتقدة قانون انتخاب لا يراعي عدالة التمثيل. كانت الدنيا لتقوم ولا تقعد وكنا لنرى مئات المقالات التي تشكك بمعاني ومغازي تلك السيدة. تصوروا مثلا لو ان وزارة التعليم العالي، ووزيرها صديق وصاحب فكر مستنير، قامت بتعيين مائة وخمسين شخصا لعضوية مجالس الجامعات الرسمية منهم ثلاثة ذكور و 147 انثى؟ كانت الدنيا لتقوم ولا تقعد أيضا قبل الرجوع عن القرار وإعادة التشكيل لضمان العدالة. كانت الأصوات لما سكتت تذكرنا بأن في البلد "رجالا" لا يجوز تجاوزهم. اما تجاوز النساء فلا ضير به ولا بأس من ان تتحمل الحكومة بعض المقالات الناقدة وعفا الله عما مضى.
أليست هذه الثقافة الذكورية متغلغلة فينا جميعا، محافظين وليبراليين على حد سواء؟ أليست هذه ثقافتنا المجتمعية التي ما تزال تعامل المرأة على أساس أنها أقل من الرجل بالرغم من دستورنا والعديد من المواثيق الدولية التي وقعنا عليها؟ أليست هذه الثقافة نتيجة أنظمتنا التربوية التي أنشأنا فيها أجيالا كاملة تعلمت ان قدرات وحقوق ومكانة المرأة تقل وبكثيرعن مثيلاتها عند الرجال؟ من يحتمي بالدين وراء هذه الثقافة عليه أن يفسر كيف تصبح النساء في مجتمعات اسلامية رئيسات للوزراء في تركيا والباكستان وبنغلادش ورئيسة للدولة في اندونيسيا؟
اثناء مداولات الاجندة الوطنية اتفق كافة اعضاء اللجنة، المحافظون والليبراليون، ان التمييز ضد المرأة تحدٍ قانوني وثقافي. وبما أن التحدي الثقافي بحاجة لعقود لمعالجته ولتغيير جذري في انظمتنا التربوية، وبما ان الاجندة تتحدث عن عشر سنوات فقط، فإن اقل الإيمان معالجة البيئة التشريعية التي تسمح بالتمييز القانوني ضد النساء، فكان أن اتفق اعضاء اللجنة، المحافظون منهم والليبراليون، على "ازالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة في التشريعات الأردنية، وذلك بمراجعة تلك التشريعات وتعديلها بشكل دوري وفقا للتطورات والظروف الاقتصادية والاجتماعية". تم وأد الاجندة لتجرئها على اقتراح كسر الصوت الواحد في القوانين الانتخابية، وها هي الحكومة تعترف اليوم بضرورة كسر هذه القاعدة، فما هي حجة الحكومة لعدم تطبيق توصيات الاجندة الوطنية بما يتعلق بالمرأة بعد تسع سنوات من اقرارها كقوانين الاحوال الشخصية والتقاعد والتأمين الصحي وغيرها؟ أسأل الحكومة اليوم: كم عدد التشريعات التي عدلت بحيث أزيلت أشكال التمييز ضد المرأة؟ واحد؟ جزء من واحد؟ صفر؟
نخطئ إنْ أبقينا احتجاجنا محصورا بمقال نكتبه هنا او تهكم نطلقه هناك. ليست هناك من إرادة حقيقية لتغيير هذا التمييز الصارخ ضد المرأة لا فيما يتعلق بالمناهج او القوانين او حتى اعادة النظر في القرارات الجائرة، و لا حتى بعد أن تحوز التوصيات على توافق وطني. بدون تحرك مجتمعي جماعي وضغط متواصل ودؤوب من مؤسسات المجتمع المدني لتغيير هذه الحالة، سنبقى نتغنى بمكانة المرأة لفظيا بينما نسكت فعليا لدى اي حادثة تمييز تحصل في المجتمع، فنشبع المخطئ ذما ويحيا الخطأ.