العودة من واشنطن
قلت في مقالي السابق بعنوان «الطريق إلى واشنطن» إن الطريقة التي يعتمدها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في عرض موقفه مما يجري، يقوم على المبادئ الراسخة في ذهن جلالته وضميره، وعلى وضوح رؤيته ومصداقيته وصراحته في وصف الصورة الكاملة، وأود هنا أن أقتطف من تصريحات الرئيس الأميركي باراك اوباما جملة قالها عقب انتهاء مباحثاته مع جلالة الملك في البيت الأبيض «علاقتي الشخصية القوية مع جلالة الملك أمر أقدره عاليا، وأثمن دائما الحديث معه والاستماع إلى صراحته وصدق نصيحته».
ويكفي أن ننظر إلى عدد القضايا التي تطرقت لها القمة الأردنية الأميركية، لكي ندرك القيمة العظيمة التي يتمتع بها جلالة الملك كشخصية عالمية لها شأنها، بغض النظر عن حجم الأردن وامكاناته القليلة قياسا مع دول الإقليم كلها، على أن تلك القيمة تنعكس على الأردنيين جميعا، وعلى مكانة الأردن الذي يضطلع بدور إقليمي ودولي يستند إلى منظومة القيم والمبادئ التي قام عليها منذ أن تشكلت الكيانات السياسية في هذه المنطقة من العالم.
لنتصور معنى أن تتوسع المحادثات من الشأن الثنائي بنتائجه الممتازة سواء على صعيد زيادة المساعدات الأميركية للمملكة إلى مليار دولار سنويا، وإقرار حزمة ثالثة من ضمانات القروض، إلى أن تتركز على قضية فلسطين، والأوضاع في سوريا والعراق، ومشكلة اللاجئين السوريين، والتحالف الدولي للتصدي للإرهاب، والعمليات العسكرية في مواجهة داعش، والمفاوضات مع ايران بشأن ملفها النووي، لتصل إلى التباحث حول مصر وشمال أفريقيا، وغيرها الكثير مما يدلنا على أن الرئيس الأميركي يعرف أنه يتحدث إلى زعيم يمكن أخذ رأيه حتى في القضايا البعيدة عن بلده.
ذلك أن القائد الذي يدعو إلى التضامن الدولي من أجل الوقوف في وجه الشر، يعرف أن الشر موجود في كل مكان، وأن العالم أصبح وحدة واحدة في التصدي للشرور على اختلاف أشكالها، وأن تحديد الأولويات والأدوار، لا يعني التفاوت في المسؤولية الأخلاقية.
لقد سمعنا الكثير عن واقع العالم الإسلامي، وتنامي تيارات التطرف والعنف والإرهاب، ولكنني لم أسمع قولا أبلغ مما صرح به جلالة الملك لشبكة « سي بي اس» الأميركية عندما قال «إن الحرب على الإرهاب هي حربنا في المنطقة، وهي مشكلة تخص المسلمين في المقام الأول» فالكلام هنا يتجه نحو المسلمين وليس الدول الإسلامية كي يدافعوا عن عقيدتهم، ويضعوا حدا لذلك الانتهاك والتشويه لدينهم الحنيف، وهو ما يشكل البداية لوضع منهج ايدلوجي، بالتزامن مع الاجراءات العسكرية والأمنية.
لا أتردد في التعبير عن بهجتي وافتخاري بقائد مسيرة بلدنا، ولا بوصف هذه النتائج للمحادثات الأردنية الأميركية بأنها إضافة نوعية في علاقات الأردن الدولية، بل لا أستبعد أن يقود الأردن مرحلة صياغة وتنفيذ تلك الأيدلوجية اللازمة للقضاء على الشر، وصيانة دولنا مما تتعرض له من قتل وتدمير وتخريب، وإهانة لكرامة أمة طال زمن اعتداء الأشرار عليها.