مالك نصراوين يكتب : نقابة المناجم والتعدين ... والثقة المفقودة

أخبار البلد - لقد كان يوم السادس عشر من تشرين اول عام 2003 ، نقطة تحول بارزة في مسيرة شركة البوتاس العربية ، عندما تم شراء 26% من اسهمها ، من قبل شركة PCS  الكندية ، وهو ما يعادل نصف اسهم الحكومة الاردنية ، لتصبح بعد ذلك تحت الادارة الكندية ، حيث استلم الكنديون منصب المدير العام ، ومنصبي نائبي المدير العام للشؤون المالية والشؤون الفنية ، وهم جميعا من الجنسية الكندية ، كما قاموا بتعيين اثنين اخرين من نواب المدير العام من الاردنيين ، احدهما لشؤون الموارد البشرية والاخر للتسويق ، وبقي منصب رئيس مجلس الادارة للحكومة الاردنية ، اضافة الى عضوية ثلاثة من الكنديين .

 

قبل خصخصة شركة البوتاس العربية باسابيع معدودة ، تم تشكيل نقابة لعمالها ، تتبع لنقابة المناجم والتعدين ، رغم ان كل المحاولات السابقة ، التي كان يقوم بها عمال البوتاس لتشكيل نقابة لهم ابان "العهد العربي" ، كانت تصطدم بمقاومة شرسة من قبل ادارة الشركة ، وعقاب متعدد الاشكال لنشطاء العمل النقابي ، من نقل تعسفي الى دوائر واقسام ليست ذات صلة بعملهم ، الى تضييق الخناق عليهم مما اضطر بعضهم الى الاستقالة ، والى فصل احدهم ، اما ما جرى قبل الخصخصة ، او ربما اثناء الاعداد لها ، فيبدو وكانه عمل مخطط له .

 

لقد كان اول "انجازات" النقابة الجديدة ، القضاء على اي أمل لعمال البوتاس ، باستعادة مكافأة نهاية الخدمة ، حسب الفقرة "ج" من المادة "70" من النظام الداخلي ، والتي اوقف العمل بها في 1/7/1986 للعاملين الجدد ، واستمرارها حتى هذه اللحظة ، للعاملين المعينين قبل ذلك التاريخ ، وتشتمل هذه المكافأة منح راتب شهر حسب اخر راتب للخمس سنوات الاولى ، تزداد بمقدار راتب نصف شهر كل خمس سنوات ، حتى تصل الى راتب ثلاث اشهر عن كل سنة خدمة ، ومن خلال هذا النظام ، فان العامل الذي تم تعيينه في 30/6/1986 يحصل في نهاية خدمته بعد عشرين عاما على مئات الالاف من الدنانير ، بينما من تم تعيينه في اليوم التالي 1/7/1986 ويقوم بنفس عمل زميله السابق ، يحصل على مبلغ لا يتجاوز السبعة الاف دينار ، اقتطع ما يقارب نصفها من راتبه ، وذلك حسب نظام صندوق الوفاة والتعويض ، الذي اقر لاحقا بعد الغاء مكافاة نهاية الخدمة للعاملين الجدد .

 

لقد قامت النقابة الجديدة ، بالتقدم بقائمة تشمل العديد من المطالب الغير معقولة وغير المتناسقة للادارة الجديدة ، تراوحت بين مكافاة نهاية الخدمة التي تشكل بمجموعها عشرات الملايين من الدنانير ،  الى مطلب تافه بقيمة دينار ونصف كعلاوة طفل ، وتم الاستجابة لمعظم مطالبها الصغيرة في قيمتها ، اما المطلب الاهم والاكبر ، وهو مكافأة نهاية الخدمة ، فقد خسرناه قضائيا ، حيث لم تختر النقابة الوقت الملائم لتلك القضية ، ولم تحسن الدفاع عن مطلبنا الاهم وتبريره ، ومع ذلك فقد تم التباهي بنسبة المطالب المحققة الى التي لم تتحقق ، واعتبروا ذلك في حينه انجازا "عدديا" كبيرا لهم ، رغم ضآلة ما تم تحقيقه من الناحية المالية ، وقد كان بالامكان في مراحل سابقة ولاحقة ، التوصل الى تفاهم مع الادارة على شكل ما من اشكال التعويض ، قد لا يكون مطابقا تماما لمكافأة نهاية الخدمة ، لكن القرار القضائي اغلق الباب امام ذلك .

 

وعطفا على هذا الموضوع ، ساتجاوز مرحلة مهمة عام 2008 لاعود لها لاحقا ، وساذكر هنا اخر "انجاز" لنقابة المناجم والتعدين في البوتاس ، تم اواخر العام الماضي ، حيث تبنت النقابة مطلب الراتب السادس عشر ، بعد ان لمست من الادارة تطوعا لتحقيقه ، وبعد ان ناله عمال الفوسفات ، الذين تختلف ظروفهم عن ظروفنا ، فقد كان رأي فئة كبيرة من عمال البوتاس ، ان يستعاض عن راتب السادس عشر ، بمطلب اخر يساهم بردم جزء من الهوة ، بين اقلية تتقاضى مكافأة نهاية خدمة ، واغلبية لن تتلقى في نهاية خدمتها الا الفتات ، وذلك بالمطالبة براتب شهر عن كل سنة خدمة ، او تطوير صندوق الوفاة والتعويض ، بحيث يصبح هذا التعويض معادلا لراتب شهر عن كل سنة ، الا ان النقابة رفضت ذلك ، واصرت على راتب السادس عشر ، وهو بالتالي سيزيد الهوة بين الفئتين ، حيث ان راتب الشهر الواحد في مكافأة نهاية الخدمة ، سيصبح ناتج قسمة الستة عشر شهرا على عدد اشهر السنة ، وبالتالي ستزداد مكافأة نهاية الخدمة لكل من يتقاضاها ، بعشرات الالوف من الدنانير ، مقابل لا شيء للاخرين .

 

واعود الى ما جرى عام 2008 ، فقد ارتأت الادارة الكندية لشركة البوتاس العربية ، تعديل رواتب جميع العاملين ، بمبادرة ذاتية من الادارة ، وليس بطلب من النقابة ، التي كانت حينها تطرح مطلب الخمسين دينارا ، التي امر بها جلالة الملك للعاملين بالاجهزة الحكومية ، فتدخلت نقابة المناجم والتعدين ، وربما بخطأ من الادارة ، التي ارادت التوقيع على اتفاقية عمالية مع النقابة ، لتجميد اي مطالبات مالية لفترة محدودة ، وهنا بدأ اعضاء نقابة المناجم والتعدين ، المساومة بموافقتهم على التوقيع على الاتفاقية العمالية ، وغض النظر عن حقوق العاملين الذين لم ينصفوا بتلك الزيادات ، بتحقيق تلك مصالح شخصية لهم ، والتي يبدو انها وجدت تجاوبا من ادارة الموارد البشرية السابقة ، فخرج تعديل الرواتب مشوها ، مغدقا بسخاء على البعض ، وحرمانا للبعض الاخر ، لم يراعي الخبرة ، فهناك على سبيل المثال لا الحصر ،  مهندس خبرته اقل من نصف خبرة مهندسين اخرين ، منح زيادة بحيث اصبح راتبه اكبر من نظار اخرين ، تفوق خبرتهم ضعف خبرته ، وهو مهندس عادي الكفاءة  ، وليس ب "الطفل المعجزة" كما كانت كانت السينما العربية تلقب اطفالا مارسوا التمثيل في الخمسينات والستينات ، وكبر الاطفال الممثلون ، دون ان يصبحوا معجزة ولا ما يحزنون ، وفي نفس الوقت ، قام بعض مدراء الادارة الوسطى العرب ، بتقليص اعمال مهندسين اخرين ، وانا واحد منهم ، تقارب خدمتهم في البوتاس فقط الربع قرن ، حتى يكون ذلك مبررا لحرمانهم من حقهم بالزيادة الملائمة في الراتب ، وحرمانهم ايضا ، من الموقع الملائم في الهيكلة الموعودة ، خاصة ان هولاء المدراء ، قد منحوا " ومع الاسف الشديد "  الصلاحيات المطلقة من قبل الادارة الكندية ، فلا تقبل ممارساتهم اي احتجاج او معارضة ، ولا تقبل الاستئناف والتمييز كما في القضاء .

 

لقد خلقت هذه التعديلات على الرواتب ، تذمرا من فئة من العاملين ، وابتهاجا لفئة اخرى حققت ما لم تحلم به يوما ، وظهرت الفئات التالية من العاملين :

 

1 – فئة المدراء الذين حصلوا على رواتب عالية جدا ، والعاملين الخاضعين لنظام مكافأة نهاية الخدمة ، ومنهم مدراء ايضا ، ولكم ان تتخيلوا حجم االتضاعف في مكافأة نهاية الخدمة لهم .

 

2 – فئة العاملين الجدد ، وهم من فئة الشباب ، حيث ساوى التعديل في الراتب بينهم وبين من يعمل بنفس المهنة ، رغم الفرق الشاسع بالخبرة ، لا بل ان بعضهم حصل على اكثر من اصحاب الخبرة ، وهذه الفئة رحبت براتب السادس عشر ، لانها تأمل ان تنال مكافاة نهاية خدمة في المستقبل ، فالطريق امامها ما زال طويلا .

 

3 – فئة العاملين الذين تم تعيينهم بعد 1/7/1986 ، اي بعد وقف العمل بنظام مكافأة نهاية الخدمة ، وهم الذين تعرضوا لاكبر ظلم وانتقاص في الحقوق ، خاصة وان غالبيتهم قد اقترب من سن التقاعد ، دون انصافهم بالزيادات ، او تامين شكل من اشكال مكافاة نهاية الخدمة لهم ، هولاء هم اصحاب الحقوق المنقوصة ، واكبر المتضررين من اهمال نقابة المناجم والتعدين لهم ، وهم الفئة التي بذلت الجهد والعرق ، وقدمت التضحيات الجسام في صيانة المصانع وتطويرها ، في فترة كانت من احلك الفترات ، وقد اوصلوا المصانع اليوم ، الى ما هي عليه من اريحية في الانتاج والصيانة ، اما الاخرون ، فقد وجدوا كل شيء جاهز امامهم .

 

لن ننسى ايضا ، ان هناك فئة رابعة ، شملت اعدادا محدودة من جميع ما ذكر من الفئات ، تعتبر فئة "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" ، تم تهيئتهم للمرحلة القادمة ، لكن على اسس غير عادلة ، ونحن نعلم ما يعانيه مجتمعنا ، من فيروسات الاقليمية والطائفية والشللية والفئوية .

فماذا فعلت نقابة المناجم والتعدين منذ ثلاث سنوات ، وقد تم استبدال ادارة الموارد البشرية قبل عام ونيف بادارة جديدة ، ابدت استعدادها لدراسة تظلمات العاملين وانصافهم ، لقد ساهمت نقابة المناجم والتعدين بتعقيد الوضع ، لانها بتجاهلها حقوق العاملين ، قد ساهمت بزيادة عدد قضايا التأمين الصحي ، وعدد القضايا الادارية المنظورة امام القضاء الاردني ، وهذه القضايا ، وبالاخص قضايا التامين الصحي ، لا يتسع المجال للتطرق لها ، وتجاوز عدد جميع القضايا الالف قضية ، معظمها رفعت من قبل الفئة "منقوصة الحقوق " التي ذكرت في البند الثالث سابقا ، بعد ان يئست هذه الفئة من جدية نقابة المناجم والتعدين ، في تحقيق حقوقهم وتجاهل معاناتهم ، ولا تتذكرهم الا عند الانتخابات ، او عندما تواجه نقابة المناجم والتعدين اي ازمة ، كأزمتها الاخيرة مع الاتحاد العام لعمال الاردن ، حيث يعود اعضائها للعاملين ، يغدقون عليهم الوعود ، التي لا تعدو كونها فقاعات ، سرعان ما تتلاشى ، بمجرد زوال اسباب التقرب للعاملين .

 

لقد اختار عمال البوتاس طريقهم بعد كل هذه المعاناة ، التي عاشوها مع قيادة واعضاء نقابة المناجم والتعدين ، وقرروا تشكيل نقابة خاصة بهم ، حسب نظام الاتحاد العام لعمال الاردن ، الذي يمنح كل تجمع عمالي ، يفوق عدد اعضاءه ال 500 عضو ، الحق في تشكيل نقابة خاصة بهم ، خاصة ان عمل عمال البوتاس ذو طبيعة مختلفة ،  وهذه النقابة في طريقها للتشكل ، ولنا كل الامل بقدرتها على حل جميع الاشكالات مع ادارة الشركة ، بما يحقق المصالح المشتركة للطرفين ، بعيدا عن تغليب المصلحة الخاصة ، على مصلحة عموم العاملين في البوتاس .

 

 م . مالك نصراوين

 m_nasrawin@yahoo.com

 15/03/2011