صمت القبور الروسي والصيني
كان العالم كله منشغلا بما يجري في قطاع غزة من فظائع أميركية-إسرائيلية، ويتابعها ويعبر عن مواقفه تجاهها، ويصدر البيانات بشأنها، الا روسيا والصين والهند، فلماذا؟
ربما لأن روسيا فعلت في الشيشان الشيء نفسه الذي تفعله أميركا الإسرائيلية في القطاع. ومن ثم، فإنها لا تستطيع أن تفتح فمها وتشجبه. أو لأنها غارقة في الورطة الأوكرانية، وتتعرض لعقوبات أوروبية وأميركية تزلزل اقتصادها، ولا تريد أن تزيدها. أو لأنها تعتبر الصمت إيماءة تأييد لإسرائيل، يجب أن تقابلها إيماءة مماثلة، منها تخفيف العقوبات أو رفعها عنها؛ فالطريق إلى قلب إسرئيل الكبرى (أميركا) هو أميركا الصغرى (إسرائيل). أو لأنه توجد في روسيا أقلية يهودية صهيونية فاعلة. أو لكل ذلك.
ومع أن مذابح اليهود في روسيا وفي أوروبا الشرقية، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هي التي دفعت اليهود إلى البحث عن وطن لهم، رسا على فلسطين في مؤتمر بال الصهيوني الأول العام 1897، إلا أن روسيا تحولت بعد ذلك، أي في زمن الاتحاد السوفيتي (العظيم) إلى دولة كان لليهود فيها شأن كبير. وقد تضاعفت قوتهم فيها بعد انهيار الاتحاد. ولعل اليهود السوفييت أو اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل، هم المستوطنون الذين يحكمونها اليوم وينكلون بقطاع غزة الآن.
ولا يختلف الموقف الصيني من قطاع غزة عن الموقف الروسي منه. فالصين تواجه ما يسمى الإرهاب الإسلامي في المناطق المسلمة، إضافة إلى سعيها لنيل الرضا الأميركي عنها من خلال أميركا الصغرى (إسرائيل). زد على ذلك العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية المطردة بين الصين و"أميركا الصغرى". وعندما نطقت الصين أخيراً، كانت تنطق بصورة خجولة وبعد فوات الأوان، مطالبة بوقف الحرب ورفع الحصار. وتوجد في إسرائيل دعوات للتطلع إلى الصين كبديل لإسرائيل الكبرى في حال تراجعها عن دعمها وحمايتها.
أما الموقف الهندي، فلا يختلف عن الموقف الصيني سوى في الدرجة. لكنه ربما يصبح مثله أو يزيد عنه بعد نجاح حزب بهارتيا جناتا في الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الهندية. فالعلاقة بين هذا الحزب والكيان الصهيوني قديمة ونامية؛ ليس اقتصادياً وتكنولوجياً فحسب، بل وايديولوجياً أيضا.
فلماذا لا يشير المفكرون السياسيون والكتاب السياسيون في بلاد العرب إلى هذا الصمت المريب، وكأنهم لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون؟!
إن الخطأ الأكبر الذي يقعون فيه هو توجيه خطابهم إلى العرب أو الأمة العربية فقط، وكأنه يوجد عرب أو أمة عربية يخاطبون، أو أمة عربية تخاطب. إن العرب أو الأمة العربية أكذوبة كبيرة. لو كان العرب أو الأمة العربية يعيشون في إطار دولة واحدة تمثلهم وتتكلم باسمهم، لكان الأمر مختلفاً والخطاب مجديا. توجد بلدان وجدت نفسها تتنسب إليهما، ولكن كلا منها معني بنفسه أو بنظامه، ولا يهمه مصير غيره سوى إعلامياً. بل إن بعضها يتآمر على الآخر ويوقع به.
لذلك يجب توجيه الخطاب أو النداء أو النقد إلى البلد الواحد باسمه. غير أنه لما كان ذلك محرجاً أو محرماً، يلجأ المفكر والسياسي والكاتب إلى التعميم ليسلم فيخاطب العرب أو الأمة العربية ويشتمهما أحياناً، من دون أن يستمع إليه أو يرد عليه أحد، فلا تصل الرسالة.