إدارة الأزمات: ضـرورة الألفية

في زمن الألفية الثالثة تتفاقم الأزمات بأنواعها على مستوى العالم بعموميته والشرق الأوسط كأقليم ملتهب أمنياً وعسكرياً والذي يشهد تفاقم وتلاحق غير مسبوق للأزمات؛ ما يقتضي ضرورة إيجاد الإستراتيجيات اللازمة والمراكز المتخصصة وخلايا الأزمات اللازمة للتعامل بحرفية واستباقية مع الأحداث المتسارعة والمتسابقة مع الزمن، ونحن في الأردن -والحمد لله تعالى- وبفعل ثالوث القيادة الهاشمية المظفّرة والأجهزة الأمنية البطلة والمواطن الواعي والغيور على وطنه ننعم بالأمن والاستقرار وننعم بوجود مركز وطني للأمن وإدارة الأزمات والذي أنشئ طبقاً للرؤى الملكية السامية منذ أكثر من تسعة أعوام ويحظى برعاية سمو الأمير علي وإدارة متميزة ونوعية، ويمتلك القوى البشرية المؤهلة والكفؤة واللوجستيات اللازمة لإدارت العمليات التنسيقية الإلكترونية وغيرها، لكنه بانتظار أن ترى تشريعاته النور ليبدأ بعمله على أرض الواقع.

وبالطبع الأزمات والكوارث التي نتحدث عنها تشمل الكوارث الأمنية كالإرهاب وآثار الحروب والجرائم المنظّمة والحرائق وإفتعال الأزمات والهجمات الإلكترونية وغيرها، والكوارث الطبيعية والبيئية كالزلازل والبراكين والفيضانات وإنهيار التربة والانزلاقات الأرضية وانخساف القشرة الأرضية وانهيار المباني وغيرها، والكوارث الاقتصادية كالأزمات المالية والاقتصادية وتحديات التضخم والأسعار والعُملة وغيرها، وكوارث الصحة كالأمراض الناتجة عن التسربات الإشعاعية والكيميائية والأمراض الوبائية والأمراض الناتجة عن الكوارث الطبيعية وغيرها، وأزمات الأمن الاجتماعي والاصطفافات العشائرية والاختناقات المجتمعية والخلط بين حرية التعبير والفوضى والاضطرابات والفتن الداخلية وغيرها. وكأننا نتحدث عن مفهوم شامل وتكاملي لإدارة الأزمات ويتطلّب جهود تشاركية وطنية مجتمعة لجهد جمعي مترادف لا فزعوي أو أحادي الجانب، ومعلومات وقواعد بيانات متوفرة بالوقت المناسب، وجهد إستراتيجي وإستخباري وعملياتي منظّم ومتكامل وإمتلاك لآليات وأدوات وقرار تنسيقي شامل لغايات إتخاذ قرارات مدروسة استباقية ووقتية دون آثار جانبية، وكأنّ الجهود الوطنية كافة تنصهر في بوتقة إدارة الأزمات حماية للوطن.
فعندما نتحدث عن الأزمات في ظل هذه الظروف المحيطة بنا، يتبادر لأذهاننا كل التحديات الخارجية المحيطة والداخلية على السواء، والتي أشار لها جلالة الملك في خطابه في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السابع عشر، حيث التحديات الخارجية تشمل –ولا تنحصر بها- قضايا الإرهاب والتأجيج العسكري في المنطقة، إذ إن التّحدّي والهاجس الأول والمركزي للجميع هو القضية الفلسطينية في خضم المماطلة الإسرائيلية لإعادة المساعي السلمية للمربع الأول في ظل الانتهاكات على الأرض في الأقصى والقدس وغيرهما، وحيث الإرهاب الديني اليهودي المنظّم في الوقت الذي يقف العالم كلّه وقفة رجل واحد في وجه التنظيمات المتطرفة والإرهابية والتي تدّعي الإسلام والإسلام منها براء، والتحدّي الشمالي على الحدود مع سوريا حيث أفواج اللاجئين وخطر الإرهاب المنظّم من تطرّف داعش وجبهة النصرة وغيرهم، والتحدّي الشرقي على الحدود مع العراق حيث المنظمات الإرهابية من الدواعش وأخواتها، والتحدّي الجنوبي حيث الإرهاب الذي يقطع إمدادات المملكة من الغاز تباعاً في سيناء ويؤثّر على اقتصادنا وتنميتنا على السواء. إضافة لجملة التحديات الداخلية المتمثّلة في مشاكل الفقر والبطالة والحاجة لمصادر متجددة للطاقة وجديدة للمياه وقضايا الأمن المجتمعي والعنف الطالبي وبعض حالات الاصطفافات العشائرية ومحاولات الفتنة العبثية ومحاولات التأجيج ودسّ السمّ بالدسم من قبل بعض المتطرفين وأعداء الوطن وغيرها من التحديات التي يعرفها كل الناس.
متطلبات إدارة الأزمات والطوارئ تتلخص بالجهوزية العالية المقرونة بالتخطيط الإستراتيجي في مستوياته العليا والوسطى وحتى التفصيلية، والتدريب المتواصل ومراكزه المتخصصة وصقل المهارات الكفؤة والاستجابة الفورية والتنسيق والتكاملية بين مؤسسات الدولة كافة، والتنظيم والتعاون على كافة المستويات وإدارة الوقت، وتعاون المواطن وتدريبه على أبجديات العمل التطوعي المُنسّق، والشفافية الإعلامية، وبث الطمأنينة والراحة النفسية، والسيناريوهات والمحاكاة الإلكترونية، وإدارة الأزمات التنموية وإدارة المخزون، كلها جلّ مهمة وقت وقوع الأزمات.
الأردن بيت خبرة لإدارة الأزمات والدليل على ذلك النتائج الملموسة للأمن والاستقرار ورصيده من العلاقات الدبلوماسية الدولية المتنامية والإنجازات التنموية والإصلاحية على الأرض، وكذلك بدء طلب الخبرات الأردنية من بعض الدول الخليجية لغايات تكوين خلايا ومراكز لإدارة الأزمات، ومؤشرات أن يكون الأردن الحاضنة الرئيسة للشبكة العربية لإدارة الأزمات والمزمع إنشاؤها من قبل جامعة الدول العربية، لكننا ومع ذلك نتطلّع أن ترى تشريعات المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات النور قريباً ليضطلع بدوره الوطني على الأرض في سبيل مواجهة الكوارث والأزمات بأنواعها بدءاً من مواجهة العواصف الثلجية وفيضانات مياه الأمطار ومروراً بكبح جماح التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفقر والبطالة وغيرها ووصولاً لاستباقية إدارة غزو الإرهاب في عقر داره.
* وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق