لماذا أخذ أوباما بنصائح الملك ؟

خالد فخيدة
 
 
 
في زيارته الى العاصمة الاميركية واشنطن، كان على اجندة الملك ثلاث قضايا رئيسية، مكافحة الارهاب في المنطقة، الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس، ومتطلبات استجابة الاردن لمساعدة اللاجئين السوريين على ارضه.

وبعد قمة مطولة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، خرج الاخير من المكتب البيضاوي ليعلن ايمانه بوجوب قيام الدولة الفلسطينية واخذه نصائح من جلالة الملك بصفته صديقه الشخصي والاهم مصداقية الدبلوماسية الاردنية في احلال السلام الشامل والعادل في المنطقة وفي مقدمتها مكافحة الارهاب.
منذ وصول الملك عبدالله الثاني الى واشنطن ازدحم جدول اعماله باللقاءات المهمة سواء على صعيد الكونغرس الامريكي او مجلس الشيوخ الامريكي.
وحرص جلالته في هذه اللقاءات على عرض الاسباب الحقيقية لانتشار العنف والارهاب في الدول المحيطة بالاردن خاصة سوريا والعراق لتتحرك مؤسسات صناعة الحكم في الولايات المتحدة باتجاه العمل على معالجتها واجتثاثها.
وخاطب الملك الشعب الاميركي وهذه المؤسسات من خلال المقابلة التي اجراها مع جلالته الاعلامي الشهير تشارلي روز على شبكة سي بي اس على ضرورة ان يتحلى الجميع بالشجاعة لمواجهة الارهاب، لانه شر، وتأكيد على ان الحرب التي تشنها دول الخير والسلام على اصحاب الثقافة العمياء ترتقي الى مستوى حرب عالمية وان المطلوب لاجتثاث هذا الخطر الذي يهدد العالم على توضيح ما هو الخطأ وما هو الصواب حتى يتم محاصرة هؤلاء الذين لا يمتون للدين الاسلامي باي صلة والقضاء على ثقافتهم التي تريد ان تحول العالم الى كتلة من نار وقتل وتدمير وتخريب.
وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس اوباما، خاطب الملك عبدالله الثاني العالم اجمع بان ما تشهده منطقتنا من ارهاب هو بداية شرارة الارهاب الذي لن يتوانى اصحابه على اشعال النار في اي دولة يستطيعون استباحتها.
وما اطلقه سيد البلاد من البيت الابيض هو تنبيه بان الارهاب لا يستهدف المسلمين وحدهم وانما المسيحيون واليهود والبوذيون والهندوس، وعليه وجه جلالته انظار الجميع الى القضية المحورية في المنطقة العربية وهي حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وسحب هذه الورقة من يد كل القوى التي تمارس ارهابها باسمها من خلال اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل.
ولا شك ان النجاحات التي حققتها الديبلوماسية الاردنية بالتعاون مع شقيقاتها من الدول المعتدلة لدعم القضية الفلسطينية حضرت بقوة في القمة الاردنية الاميركية.
فتوالي اعترافات برلمانات دول بريطانيا وفرنسا واستراليا وقبلهم الحكومة السويدية كان ورقة سياسية قوية في يد الملك عبدالله الثاني لدفع الادارة الاميركية بتسريع حل القضية الفلسطينية لانه بخلاف ذلك فان الامور لن تزيد المنطقة الا مزيدا من الاشتعال ومنح الارهابيين فرصة التمدد بحجة مقاومة اسرائيل.
ورسالة الملك في واشنطن كان واضحة مثل وضوح الشمس، فمحاربة الارهاب واعادة الاستقرار الى المنطقة يتطلب ارساء ثقافة السلام والتعايش بين الشعوب وخلق التكاملية في مكافحة الفقر والبطالة لما اثبته الواقع بان هاتين المشكلتين مزودتان رئيسيتان لبيئة الارهاب والعنف. وقول جلالته بان المطلوب من جميع الدول المحاربة للارهابيين ان يكونوا صفا واحدا، ليس في الاطار النظري وانما في ترجمته العملية المتمثلة في دعم الدول الغنية لتلك الفقيرة التي تغذي ثقافة القنابل العمياء والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.
شهادة الرئيس اوباما بفكر الملك وحرصه على الاستماع لنصائحه لم تأت عبثا، وانما نتيجة استنتاجات سياسية اكتوارية ثبتت صحتها عندما حذر جلالته منها قبل حدوثها بسنوات، واستطاع الاردن بفضل حكمة قيادته وقراءتها المستمرة للمستقبل من تجاوزها والتغلب عليها وفي مقدمتها ما سمي بالربيع العربي خلال السنوات الخمس الماضية.
والمتتبع للتصريحات الامريكية الرئاسية يفترض ان يلفت انتباهه ما قاله الرئيس اوباما بان الملك عبدالله الثاني قدم له نصائح استراتيجية واقتنع بها للوصول الى منطقة آمنة ومستقرة في الشرق العربي وشمال افريقيا تجنب الاجيال القادمة من الوقوع في فخ العنف والدمار وتساعدهم بان يكون منارات تعبر من خلالهم مجتمعاتهم الى النور والازدهار.
وان يخرج الرئيس الاميركي ليقول بان البيئة الحالية غير محفزة لمبادرات سلام تحقق ذلك الحل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فهذا دليل على مدى تأثير جلالة الملك في صانع القرار الامريكي والدولي. والمعروف ان ما جعل البيئة لاحياء السلام غير موائمة هي الممارسات الاسرائيلية الاحتلالية في قتل الابرياء في غزة وانتهاكاتها المستمرة للمسجد الاقصى ومحاولتها الدؤوبة لاستفزاز الفلسطينيين والمسلمين وكذلك المقدسات المسيحية في ارض الاسراء والمعراج.
اما رفع المساعدات الاميركية السنوية للاردن الى مليار دولار لتمكينه من تجاوز ازمة استضافة اللاجئين السوريين، لم تأت الا بعد الاحساس الاميركي بالخطر الاقتصادي الذي يتعرض له الاردن نتيجة الضغط المتزايد على موارده الضعيفة واثر ذلك على قدراته اللوجستية في التصدي لكل انواع العنف التي تحاول الاجندات العمياء فرضها على ارضه، عدا عن ارتفاع قيمة الفاتورة الامنية التي يدفعها الاردن جراء الحفاظ على استقراره وفي المقابل حماية اللاجئين.
الاردن اثبت بفضل قيادته الفذة والنادرة على مستوى العالم، بانه بلد ديمقراطي بالممارسة ويملك من الادوات التي تجعله دوما قادرا على مواجهة كافة التحديات وفي مقدمتها الارهاب، فهذه الصفات جعلت دول العالم تتسابق على اقامة علاقات وثيقة معه ولانه استطاع ان يقدم نفسه بانه بوابة الامان للمنطقة بأسرها.