يهودية الدولة

يهودية الدولة ملامح وإشارات لقد كانت الظروف السياسية التي حركتها فكرة ظهور القوميات في أوروبا من عام 1850 وحتى عام 1878 البيضة الحاضنة لفكرة ميلاد الدولة اليهودية ، وباستعراض شامل للصورة البانورامية لتلك الفترة نقف أمام صورتين 1 – عدم اندماج اليهود في النسيج الوطني للدول التي يقيمون فيها 2 – مطالبة أصحاب القرار في هذه الدول بطرد اليهود كحل يخدم مصلحة الدول ذاتها دون التفكير بإيجاد حل لهم بعد أن أصبحوا عبئاً على المنظومة القومية الجديدة أخذ الصراع مع المواطنين اليهود المقيمين في الدول الأوروبية ينتقل من منابر السلطة إلى الشارع ، وبدأت بالظهور علناً فكرة معاداة السامية ، وشاركت قوى سياسية وثقافية في هذا العداء حتى وصل الأمر إلى المطالبة جماهيرياً بطردهم ، وفي أحسن الأحوال بالبحث عن حل جذري يقي أوروبا خطرهم ، ويحفظ لهم حقوقهم بالحياة ، وضمن هذا العداء المتبادل تقدم أكثر المفكرين المجريين عداء لليهود " جوزيه ايشتوسي " عام 1878 بورقة عمل إلى البرلمان المجري تطالب المجتمع الأوروبي بوضعهم في منطقة جغرافية واحدة بعيداً عن أوروبا ، وطالب جوزيه برلمانه بعرض الورقة على مؤتمر برلين الذين سيعقد في ألمانيا بتلك الفترة ، وهو أول من قال بهودية الدولة ، ليأتي بعده بعشرين عاماً ثيودورد هرتسل عام 1896 ويذكر في كُتيب صغير له تحت عنوان " دولة يهودية " وهي الجملة المستوحاة من ورقة عمل جوزيه وقد لقي هذا الكتيب ترحيباً من أنصار جوزيه ذاته ، بل وتشجيعاً بالمضي في هذا الاتجاه الذي يحقق غايتين معاً ، غاية جوزيه وغاية هرتسل ، من هنا نجد أن فكرتي اللاسامية والصهيونية كانتا تعمل على غاية واحدة مشتركة لتحقيق هدفين متناقضين . استطاع هرتسل توظيف تأييد المناهضين للصهيونية في أوروبا لفكرته بالمطالبة بعقد مؤتمر بازل في العام الذي تلا صدور الكتيب وتم في المؤتمر الاتفاق على استقلالية اليهود في دولة ما على أن تُسمى أرض إسرائيل دون الاتفاق على الموقع الجغرافي . في العام 1917 تم إصدار وعد بلفور الوزير البريطاني والذي يمنح في فلسطين وطناً قومياً لليهود وإلزام الحكومة البريطانية بتنفيذ هذا الوعد ، وفي حيثيات الكتاب الأبيض التي اعتمدته بريطانيا فقد جاء فيه التزام بريطانيا بدولتين في فلسطين عربية ويهودية ، وعند صدور فكرة الترسيم من قبل بريطانيا عام 1922 رفض اليهود هذا الترسيم واعتبروا أن بريطانيا قد خانتهم لأنها لم تضع ضمن مخطط الترسيم شرق الأردن باعتباره جزءاً من الدولة اليهودية ، وقال "حاييم وايزمن " وقتها بيهودية فلسطين كما أن بريطانية بريطانية ، وقال " جابوتنسكي " الأب الروحي لليكود إن تماثل مجتمع المستوطنين الانجليز في روديسيا هو نفس تماثل المستوطنين اليهود في فلسطين ، وذلك تعقيباً على النسبة السكانية في فلسطين بين العرب الفلسطينيين واليهود المهاجرين . بعد إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين دار حوار بين القادة اليهود على اسم الدولة ، ومن هذه الأسماء – دولة يهود – دولة صهيون – دولة عابر – أرض إسرائيل – وتم الاتفاق أخيراً على التسمية " دولة إسرائيل لما لهذا الاسم من دلالة دينية وقومية عندهم ، وعلى هذا أصدروا قراراً عام 1952 في غاية الخطورة مفاده أن كل يهودي على الأرض يحق له حمل الجنسية الإسرائيلية بمعنى لم شتات اليهود في دولة واحدة ، وهنا نقف عند الحدود الجغرافية التي فكروا بها لهذه الدولة التي سوف تتسع لكل يهودي في العالم لتصبح دولة ذات صبغة دينية ، تحمل في معتقدهم القومية الإسرائيلية نسبة إلى إسرائيل / يعقوب ، فقد طرحوا مفهومين للحدود ، مفهوم قومي يعتبر أرض إسرائيل هي غرب وشرق نهر الأردن وأجزاء من سوريا ولبنان ، ومفهوم توراتي يعتبر أن أرض إسرائيل من نهر النيل إلى نهر الفرات . في المراحل اللاحقة والتي تتصل بالقرن الواحد وعشرين ظهرت ثانية على طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فكرة يهودية الدولة ، حتى أن بنيامين نتنياهو عام 2011 قال أمام الوكالة اليهودية على أبو مازن أن يقول أربع كلمات هي أنا أقبل دولة يهودية فرد عليه أبو مازن بأربع كلمات هي لن نقبل بها مطلقاً ، وقبل ذلك في أيار عام 2003 قال شارون في خطاب له من العقبة بعدم رضاه عن فكرة حق العودة وسانده وقتها الرئيس الأمريكي بوش ، وبعده جاء أوباما ليؤكد وقوف أمريكا مع يهودية الدولة الذي فيه التفاف حول حق العودة وقال في خطابه في هيئة الأمم إن أمريكا ملتزمة بالاعتراف بيهودية الدولة ، وبذلك سقطت مقولة حل الدولتين في فلسطين بوجود دولة واحدة بثنائية قومية . المتتبع لكل ما يجري على الأرض الفلسطينية يعرف أن القادة الصهيونيين ينفذون مخططاً واضح المعالم حسب الظروف المتاحة ، ويعرف أنهم سوف يصلون إلى مفهوم الدولة القومية ، وبعدها إلى مفهوم الدولة التوراتية ، والضجيج حول يهودية الدولة ما هو إلا صدى كل المخططات الصهيونية على جميع الأراضي القومية والتوراتية