إضاءة على رواية " بلقيس , بكائية آخر الليل " للكاتب الجزائري علاوة كوسة








إضاءة على رواية " بلقيس , بكائية آخر الليل " للكاتب الجزائري علاوة كوسة 

اخبار البلد

بقلم : صابرين ع .ف


هنا روائي يعتمد أسلوب المجاورة والمشابهة حيث يهجن المفردة في روايته .. يكثر من السرد والمناجاة وله القدرة على التحكم بدواليب السرد وتطويع اللغة والتأثير على نفسية القارئ وشده من خلال الصورة الروائية ومن هنا تنحى روايته الأسلوب والطابع الكلاسيكي والرومانسي .. برغم أنها تحوي عدة أصوات سردية إلا أن السارد المباشر هو الراوي نفسه وهو الكاتب .. النص غني بالأفكار في كل التوصيف السردي والخطابي ,   والبنية السردية قائمة على المنولوج الداخلي والوصف الأيدلوجي للشخصيات .. تأخذ القالب الرمزي لتجسيد الفكرة ...

يبحث الكاتب في جنس وأصل الأشياء فهو يقول : " المدينة أنثى .. أين ذكرها ؟! ذات أين عقلها ؟! عين أين حاجبها "
أعادتني الرواية إلى قراءة علمية قرأتها ذات مرة وهذه الدراسة توضح أن الرجل معرض للانقراض بسبب التغيرات البنيوية في الكر وموسومات ,  ذُكر فيها  " الحياة لم تكن ثنائية الجنس " وأثبتت الدراسة أن الجنين في بدايات مراحل تكوينه أنثى ..
نسب الشيء إلى جنسه هو طريقة صوفية وعلمية وفلسفية في نفس الوقت , فهي تبحث في أصل وهوية الشيء أو الشخص .. 

ومن أساليب المجانسة التشخيص وهو إضفاء صفات حية على ما هو غير حي لإنعاش الفكر التخيلي للقارئ وتحفيزه على تصور المشهد .. ما يرمي له الكاتب من خلال فكرة المجانسة  هو مجموعة من الأيدلوجيات كالجوع العاطفي في فهم المرئي و كسر العائق اللغوي ولغة التواصل والخطاب في الصراع الأنثوي والذكوري  و تسليط الضوء على حقيقة الظلم والاضطهاد الذي يتسبب فيه الإنسان ليس فقط للأنثى وإنما أيضاً المعاملة الدونية التي تتعرض لها أجناس مختلفة من البشر بسبب اللون أو الدين أو الوضع الاجتماعي وغيره في ظل النظرة المحدودة للأمور تحت قيد العيب والحرام ..

ليس كل التفكير البشري "  أبيض " وذا نوايا سليمة و ركائز عقلية حيادية ,  وهنا يظهر تأثره بدراسة الدكتورة نوال السعداوي في كتابها  " الأنثى هي الأصل " : " إن علاقة الأسياد بالعبيد كعلاقة الاستعمار بالمستعمرات , كعلاقة أي فرد يريد استغلال الفرد الآخر , كعلاقة الرجل بالمرأة " ...

هناك عاطفة قوية مرهفة ودافئة تصل حد النرجسية تطغى على النص الأدبي تحمل نوع من رسائل الاعتذار والحكمة والعقلانية .. " الغياب والاختفاء " محرك رئيسي لثورة العواطف والحوار الداخلي في الرواية .. اللفظة لديه لها موسيقى تكمن في الطاقة الفلسفية للغة السردية والحوار .. تظهر ثقافته العالية من خلال الحديث عن أبطال روايات كزوربا وكتابات كازتنزاكي و بول ريكور والشاعر محمود درويش .. وتأثره بالإسلام حيث استخدم مفردات ك : العرجون القديم , زليخة  والفردوس .. والإشارة إلى السيدة هاجر وخليل الله سيدنا إبراهيم .. وذلك الصوت المجهول الذي يستخدم أسلوب الديني " لقد كنتما روحين في جسد واحدة ...فلكما البياض ولي شرف المداد " .. والمزاوجة بين الحس الفني والذائقة الأدبية ..  وتوظيفه لشعره الخاص : 

تجيئين عطشى
وخلفك صوت المطر..
وفي بؤبؤيك حنين
وشيءٌ من الظاهر المستتر ..

أما عن المقطع الصوتي الذي أطلقته بلقيس في المستشفى " أخا .. خا .. خلي .. ليل " فقد حمل كل وجع الذاكرة والحلم والحب والتأوه والغربة والوحدة وجمعها في اسم المعشوق في ليل الحمى والمرض إن أول ما ينطق به العليل وجعه وسببه .. رب دواءٍ في الداء !!  هنا تكمن إحدى جماليات التوظيف اللغوي في يد شاعر وروائي وفنان ...

أ. علاوة كوسة كاتب وأكاديمي جزائري في جامعة البرج , وباحث متخصص في الأدب الجزائري وشاعر وقاص وروائي .. له مقالات نقدية وقراءات أدبية .. من منظمي الملتقى التأسيسي لرابطة القصة القصيرة سطيف .. حاصل على المرتبة الثانية في مسابقة " الشارقة للمسرح " في دورتها السابعة عشر لموسم 2014 .. من أهم إصداراته : مجموعة شعرية " ارتعاش المرايا " ,  و مجموعة شعرية " تهمة المتنبي " , ومجموعة قصصية " أين غاب القمر ؟ " , مجموعة قصصية " هي والبحر " , كتاب نقدي " أوراق في الأدب الجزائري " , دراسة تطبيقية " القصة القصيرة الجزائرية المعاصرة " , نص مسرحي " بين الجنة والجنون " , ورواية " أوردة الرخام " , و رواية " بلقيس بكائية آخر الليل " .